IMLebanon

عبقرية الفساد… تحول قرار مجاني إلى مدفوع

 

إذا كان الوزراء يُصابون بالدهشة، فماذا يُترَك للمواطنين العاديين؟

وإذا كانت الدهشة تتعلَّق بحدث لم يمرَّ عليه عشرون يوماً، فكيف إذا كان النقاش يتعلَّق بحدث مرَّ عليه عشرون عاماً، فهل يتمُّ الإنتقال من الدهشة إلى الذهول؟

كلُّ شيء وارد في هذا البلد حين تكون النية الإخفاء أو التضليل.

***

يعتقد المواطن العادي بأنَّ قراراً ما اتُخِذ لمصلحته فيكتشف أنَّ القرار عكس مصلحته، ثم يبدأ السجال مع قنابله الدخانية التي تكون أحياناً كثيرة مسيلة للدموع وأحياناً أخرى مسيلة للإحباط.

كان ذلك يوم الإثنين 21 أيار الفائت، آخر جلسة للحكومة التي كان إسمها حكومة استعادة الثقة. زفَّت إلى اللبنانيين بشرى أنهم لن يعانوا من تقنين الكهرباء هذا الصيف، لأنَّه سيتمُّ تجديد العقد للباخرتين، وهناك باخرة ثالثة مجانية لثلاثة أشهر.

***

مع تنفس اللبنانيين الصعداء، بدأت الأسئلة تُطرَح:

لماذا خفضت الباخرتان تسعيرتهما المعمول بهما؟

هل هذا يعني أن التسعيرة السابقة كانت باهظة الكلفة؟

هل جاء التخفيض لتمرير التجديد؟

لم يستفق المواطن من الدهشة حتى عاجلته الحكومة بقرار في الجلسة نفسها:

باخرة ثالثة مجاناً لثلاثة أشهر.

حسَبها اللبناني:

باخرتان ممدَّد لهما بسعر أقل مما كان معمولاً به. باخرة ثالثة لثلاثة أشهر مجاناً، أي أنها تصيِّف عندنا، تعطينا الكهرباء، وتغادر.

جيِّد، وماذا يريد اللبناني أحسن من ذلك؟

لم يكد يستفيق من أحلامه الوردية بكهرباء من باخرتين، منخفضة الكلفة، وبباخرة ثالثة مجاناً لثلاثة أشهر، حتى استيقظ من الصدمة.

 

***

يا للهول، لا شيء مجاناً في هذه الدنيا سوى حُب الأم لأبنائها، عدا ذلك كل شيء يُقرَّش بما فيه بواخر توليد الكهرباء:

يوزِّع الأمين العام لمجلس الوزراء قرارات الجلسة الأخيرة للحكومة، فيردُّ فيها عن باخرة الكهرباء الثالثة:

مجاناً للثلاثة أشهر الأولى، كلمة الأولى كانت كافية لنسف جوهر القرار برمته:

القرار يقول:

باخرة مجانية لثلاثة أشهر، فأصبح يقول باخرة مجانية للثلاثة أشهر الأولى، وتفسير ذلك أنَّ ما بعد ثلاثة أشهر تصبح الباخرة مثلها مثل الباخرتين الشقيقتين كل شي بمصاري.

***

فعلاً هو قرار عبقري لمجلس الوزراء، كلمة واحدة فيه تؤدي إلى نسف القرار عن بِكرة أبيه؟

يقول المثل:

إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا. لكن المكابرة في بعض مسؤولينا تجعلهم يقولون:

إذا ابتليتم بالمعاصي فأمعنوا في الخطأ، فبدلاً من أن يتمَّ تصحيح الخطأ، بادر المعنيون إلى الحديث عن خطأ مادي أي خطأ لغوي! وما هذا الخطأ اللغوي الذي يكلِّف ملايين الدولارات من جيب المواطن اللبناني؟

أكثر من وزير عبروا عن دهشتهم لِما حصل:

أحدهم طالب بنشر محضر الجلسة إستناداً إلى التسجيلات الصوتية.

حين يصل موضوع عدم الثقة بين الوزراء أنفسهم إلى درجة المطالبة بنشر التسجيلات الصوتية لوضع حد للتحوير وللتضليل، فعلى المصداقية السلام.