IMLebanon

جورج الريف يتحدّى الأمن والقضاء

قد ينظر البعض الى جريمة قتل جورج الريف في قلب بيروت على انها حادث عادي، وجريمة شخصية يمكن أن تحصل في كل زمان ومكان، ولا يرى فيها أمنيون حادثاً فوق العادة، ويقولون إن مدينة نيويورك مثلاً تشهد عدداً من الجرائم يومياً تفوق نسبته بكثير ما يجري في لبنان.

لكن المخيف في لبنان، وتحديداً في جريمة الريف، ثلاثة امور: الاول ان للمتهم سوابق لم يحاسب عليها كما ينبغي، وربما أفلت مرة أخرى من العقاب على رغم أنه ارتكب جريمته عمداً وجهاراً نهاراً! لكن الافلات من العقاب يشجع الفاعل وأمثاله على التمادي في ارتكاب الجرائم وتجاوز القوانين، وخصوصا اذا ما توافر له ولهم غطاء سياسي أو مظلة امنية.

الأمر الثاني هو الشهود، اذ بدا ان النخوة لدى اللبنانيين تراجعت الى حد التغاضي عن الجريمة، والاكتفاء بالتفرج عليها، بل تصويرها، لا لهدف مهني، وانما للتباهي بأسبقية نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فالناس شاهدوا ما شاهدوا وانفضّوا خوفاً أو لامبالاة، أو هروباً من واقع مهين يتعرض له الشاهد لدى ادلائه بافادته، اذ تطلب القوى الامنية له ما يسمى “النشرة” ما إن تطأ قدماه أرض المخفر للتأكد من انه ليس مطلوباً في مخالفات او جرائم، وبذلك يتحول الشاهد متهماً، وعليه ان ينتظر “النشرة” وإلا منع من الانصراف، وعومل كموقوف احتياطاً.

والامر الثالث هو القضاء والامن. فالقوى الامنية كثيراً ما تعجز عن القبض على مجرم او مطلوب لعلة فيها، اذ حصل أن تبلّغ مطلوب ساعة انطلاق الدورية ووجهتها ومسارها، فأتيح له الهروب قبل أن تصل اليه. وهذا دليل فساد يستكمل خطه في التحقيقات وكتابة المحاضر، ليصل الملف الى القضاء خالياً مما يوجب المحاكمة أو اصدار الاحكام القاسية، هذا اذا عدل القضاء وحكم.

في هذا الاطار لا تعود جريمة قتل جورج الريف في وضح النهار جريمة عادية، بل “بروفة” لجرائم يمكن ان ترتكب كل يوم، ما دام البلد على بركة الله لا رقيب ولا حسيب. واذا اضفنا الى جريمة الريف خطف تشيكيين ومدير مصرف في البقاع، وإن اختلفت الدوافع، ومقتل سيدة في حادث سيارة انقضّت عليها مرات عوض ان تهب لنجدتها، والاعتداءات المتكررة على ناس آمنين في الفنار واطلاق قذائف عليهم، الى حوادث اخرى مماثلة، وعدم القبض على مرتكبيها، لأدركنا ان الخطط الامنية لا تجدي وانها تمضي وفق اجندة سياسية تتوافق عليها الاحزاب للتخلص من بعض المشاغبين عليها، ولا تسري على الذين يحظون بدعم تتنوع مصادره. وحال الخطط تشبه تطبيق قانون السير الجديد الذي يسري على الناس العاديين، ولا يشمل المواكب المسلحة، وسيارات الكبار وابنائهم، الى الضباط المكلفين تطبيقه وزوجاتهم.

واقع مؤسف قد لا تنفع معه المناشدات، لكن الاكيد ان الصمت والاستسلام ليسا حلاً، لذا سنظل نطالب. فهل يحاكم قاتل الريف، ويحاسب، فينقذ بعضاً من سمعة متهاوية للامن والقضاء والدولة؟