IMLebanon

غازي وزني “المرتاب”… من أن يكون “حطب الانهيار”

 

 

كانت يوميات غازي وزني شديدة الروتين قبل أن تلقى في يديه كرة “المالية” الملتهبة. لا تخرقها أي ملامح قد توحي أنّ الرجل يخطط للجلوس على كرسي “المحرقة”. الخبير الاقتصادي الآتي من عالم المال والأرقام، كثير التنظيم إلى حدّ ارهاق الذات. ابن عائلة تعتبر من وجهاء عائلات بلدته الجنوبية، تبنين، كما لجهة والدته (من آل الشامي من بنت جبيل وجدها من آل بيضون)، ما فكّر يوماً في تعكير صفو حياته ولا الهدوء الذي طبع مساره منذ عودته إلى لبنان مطلع الألفية الثانية.

 

قبلها كان يعيش بين فرنسا حيث أنهى دروسه، وبروكسل التي كان يدير فيها أعمال العائلة، بعد انتقاله من أفريقيا حيث كانت أشغال عائلته. وفي باريس أيضاً تعرّف إلى زوجته الأولى والتي له منها ثلاثة أولاد وأربعة أحفاد، قبل أن ينفصلا ويتعرّف إلى زوجته الثانية، الاعلامية نجاة شرف الدين التي استقرّ واياها في بيروت بعد العام 2007.

 

كان وجه غازي وزني مألوفاً بالنسبة للبنانيين. عرفوه خبيراً اقتصادياً، أفكاره مقبولة من متلقّيه. شخصية رصينة، هادئة، تدرك كيف تضع الإصبع على الجرح. لكن الطبقة السياسية تعرفه أيضاً. بحكم المكتب الاستشاري الذي أنشأه في بيروت بعد عودته للاستقرار فيها، تمّ تعيينه مستشاراً للجنة المال والموازنة وأشبه بمستشار- صديق للرئيس بري الذي يلتقيه على نحو دوري.

 

كما أنّ مشاركته في اجتماعات الخبراء الاقتصاديين التي نظّمها المجلس الاقتصادي الاجتماعي، جعله على تماس دائم مع كل أصحاب الاختصاص المحسوبين على الأحزاب والقوى السياسية.

 

وحين دعا رئيس الجمهورية ميشال عون مجموعة من الخبراء إلى قصر بيت الدين، نهاية آب المنصرم، للاستماع إلى ما لديهم من طروحات، كان وزني من بين المشاركين ممثلاً الرئيس بري، حيث بدا رئيس الجمهورية منفتحاً على الورقة التي قدّمها وزني، ومن بين أفكارها الدعوة إلى طاولة حوار اقتصادية. وهذا ما حصل في بعبدا.

 

حتى مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان لوزني علاقة طيبة تعود إلى العام 2010. كان يلتقيه كل شهر تقريباً لتبادل الأفكار، وقد أخذ عليه أحياناً دفاعه عن سياسات الحاكم، ولو أنّ وزني من الذين حذّروا مراراً وتكراراً من حتمية وقوع الانهيار.

 

أما في العمق الشيعي، فهو يمثل عملياً الرئيس بري، لكنه على تواصل دائم مع ثلاثي “حزب الله” الاقتصادي: النائبان حسن فضل الله وعلي فياض والدكتور عبد الحليم فضل الله. وهو أحد مكونات خلية الأزمة المالية التي استضافتها عين التينة وتضم إلى بري، النواب علي حسن خليل وعلي فياض وياسين جابر وحسن فضل الله اضافة الى الخبير الاقتصادي فضل الله، لتكون أشبه بحلقة نقاش وتفاهم مالي داخل البيت الشيعي قبل الانتقال إلى طاولة مجلس الوزراء.

 

واقعتان بدّلتا مسيرة وزير بين عشيّة وضحاها: اعترافه في احدى الجلسات الدورية التي يعقدها مع بري، أنّه جاهز لتولي منصب نائب حاكم مصرف لبنان فيما لو اتفقت التركيبة الحاكمة على تجديد مواقع نيابة الحاكمية. ومبادرة الوزير السابق بهيج طبارة إلى طرح اسمه أمام بري أيضاً، كمرشح محتمل لوزارة المال فيما لو أفضت المفاوضات مع طبارة إلى اتفاق لتأليف الحكومة بعدما أسقط رئيس المجلس خيار رائد شرف الدين.

 

واذ بالفكرتين تتحولان إلى ثابتة في معادلة التأليف، حتى مع حسّان دياب. حين اقترح رئيس المجلس اسمه على دياب، بدا الأخير متجاوباً. التقاه في جلسة استماع كما فعل مع بقية المرشحين. أعجب بأفكاره وطروحاته فثبّته في وزارة المال.

 

لا يبدي غازي وزني غبطة في تولي وزارة المال. ينظر إليها كحمل ثقيل مع العلم أنّ مختلف القوى السياسية المؤيدة للحكومة أبدت دعمها لوزير المال الجديد ولأي نوع من الاجراءات التي قد يتخذها، الأمر الذي بدا وكأنّ الجميع يبحث عن “كبش فداء” لكل “فظائع” المرحلة الماضية ليقينهم أنّ الانهيار سيجرف كل شيء. حتى حاكم مصرف لبنان بدا مطواعاً ومستعداً للسير في أي خطة تضعها وزارة المال خلافاً لكل مسيرته في الحاكمية، وذلك خلال الزيارة التي قام بها إلى وزارة المال، بعدما اعتاد سلامة ولسنوات أن يكون في موقع المسؤولية، ووزني في موقع الاستشاري. كل هذا الاستعداد للتعاون والذي بدا “مشبوهاً” في لحظات مصيرية تمرّ بها البلاد، دفع وزني إلى الاستعانة بـ”هدوئه الانكليزي” والتفكير ملياً بما ينتظره من أفخاخ ومصائد يراد لها أن تقتنص “وزراء تجارب” على طريق البحث عن معالجة شاملة للانهيار اللبناني، لم يحن وقتها بعد.

 

لن يقبل غازي وزني أن يكون مروره على وزارة المال، مرور الكرام. أو بالأحرى لن يتاح له هذا “الترف”. إما يترك بصمة وإما يكون حطب الانهيار. ولذا بدا الرجل كثير الارتياب والحذر مما تخبئه ملفات الوزارة ودهاليزها. وقرر بداية حصر تركيزه في “مصيبة” سندات اليوروبوند وتفرّعاتها قبل أن يبدأ “نبش” الملفات.

 

وبناء عليه، خصص كل الوقت الفاصل بين التأليف وجلسة الثقة، للقاء مروحة واسعة من الخبراء اللبنانيين والأجانب والوقوف عند آرائهم من الأزمة وكيفية معالجتها، قبل أن يدلي بدلوه، ويعيد رسم الحدود بين خطّ وزارة المالية “الأحمر” وخطّ مصرف لبنان “الأزرق”، للفصل بين صلاحيات كل منهما ويعيد “مع الشكر” طلب حاكم مصرف لبنان صلاحيات استثنائية… قبل الانطلاق في ورشة، يعرف كيف تبدأ ولكن لا أحد يملك جواباً، كيف ستنتهي.