IMLebanon

حمى الله لبنان في الليل والنهار  

لا أحد يستطيع الآن تحديد ما الذي يحدث في لبنان، والتوصيف الوحيد الذي أستطيع ان أتبناه هو اننا في حال من الضياع الشديد على مستوى الافراد والجماعات واننا انتقلنا من الشغور الى الخواء، مع حال من الهياج والغضب التي تعم كل التجمعات والطبقات والافراد، على قاعدة الربيع العربي الدامي جدا، «الشعب يريد» وهذا ما قد يستدعي شيئاً من الدماء في لبنان، وطبعا لا سمح الله.

الجميع الآن في السلطة والجميع في المعارضة والجميع مع السيادة وايضا ضد السيادة في مكان ما، لأنّنا نسمع في النهار الأحاديث الوطنية والتحليلات عن قوانين الانتخابات ثم نسمع في المساء أموراً مغايرة عندما يتوزع معظم السياسيين والاعلاميين على طاولات العشاء مع اصحاب السعادة السفراء كل مساء، وبذلك يكون أصبح لدينا بدل لبنان الواحد، لبنانان الاول في النهار والثاني في المساء.

تلوح في الأفق ملامح عودة تكونات سياسية شبه مليشياوية تريد ان تلعب مجددا دور الضحية والجلاد، وتلك الشخصية العجائبية كانت قد فتكت بكل إنجازات التجربة الوطنية اللبنانية وقتلت ودمرت وهجرت وسرقت ونهبت وذبحت على الهوية وأدخلت كل جيوش العالم الى المدن والقرى والشوارع اللبنانية، واستقوت بالخارج على الداخل اياً كان ذلك الخارج، ان من الاشقاء او الجيران او الأعداء.

هناك ازدحام بالشعارات السياسية والاقتصادية والإصلاحية والتشريعية والدستورية والبيئية والقطاعية والمناطقية وخلال اقل من اربع وعشرين ساعة تمت الدعوة الى اكثر من عشرين مظاهرة في نفس الساعة ونفس الدقيقة ونفس المكان،للتحرك بكل الاتجاهات، وملء الشوارع والساحات.

سيفتح الهواء الإعلامي طبعا، وتتابع المحطات كل التحركات وتستضيف قادة الحراك من جديد بعد ان غابوا عن شاشاتها منذ أشهر طوال، وسيتحدث المعلقون بدقة متناهية عن الاسباب الطبيعية والظروف الموضوعية للانفجار الاجتماعي الاقتصادي، وعن تجارب العالم الحر مع هذه الظواهر منذ الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر مرورا بسقوط جدار برلين  وصولاً إلى الآن.

قبل ست سنوات كثر المتحدثون عن الثورة والثورات ايام الربيع العربي والتي لم يكن احد قد تجرأ على توقعها ولو قبل ايّام من وقوعها والتي جاءت ثمارها قتلاً وتشريداً ودماراً ، حتى تصدَّر العرب قائمة النازحين في العالم وذلك هو التفوق الوحيد الآن، وينسى السادة الخبراء بأن حق التظاهر هو احد اكثر أشكال الانتظام السياسي والامني لدى المجتمعات المتقدمة ويتمتع بالحصانة والحماية الأمنية والقانونية، وهذا ما هو غير متاح في لبنان الآن، وقد نشاهد ما لا تحمد عقباه.

لبنان الآن مفخخ بالخطاب الطائفي البغيض بسبب قانون الانتخاب، لبنان مفخخ بنتائج النزاع السوري على المعارضة والنظام، واجتياح ما يُقارب المليون ونصف مشرد، لبنان مفخخ بنتائج الشغور الرئاسي المدمرة على النظام العام والمؤسسات، لبنان مفخخ بنتائج الإنهيار الاقتصادي وهروب الاستثمارات على مدى عشر سنوات، لبنان مفخخ بتضارب حسابات الربح والخسارة بين رفاق الامس وخصوم اليوم، ولبنان مفخخ بتركيبات جديدة من على اليمين واليسار، لبنان مفخخ بالتهديد بالحرب مع اسرائيل والحرب على الاٍرهاب، لبنان مفخخ  بتراجع الاهتمام العربي والاقليمي والدولي به كساحة نزاع وهو ليس في مقدمة الاولويات، لبنان مفخخ بالارتجال والادعاء والاوهام في السياسة والإعلام والأعمال، لبنان مفخخ بقلة العقل والاخلاق ، حمى الله لبنان من ابنائه في الليل والنهار.