IMLebanon

حكومة رئاسية

 

الحديث المضطرد اليوم عن الحكومة القادمة، مَن هو رئيسها؟ ما هو شكلها؟ ما هي طبيعتها؟ سياسيّة أم حكومة اختصاصيّين؟ حكومة أكثريّة أم حكومة وحدة وطنيّة؟ حكومة ميقاتيّة جديدة، أم باقية تلك الميقاتيّة التي نعرفها؟ أسئلة كثيرة لكن الإشكاليّة الأكبر تكمن في الدّور الذي ستضطلع به الحكومة المقبلة إذ ستكون حكومة رئاسيّة بامتياز، إن لم تحكم بصلاحيّات الرئيس حتّى انتخابه، فهي ستكون فاعلة في اختيار هذا الرئيس. فمَن سينجح بفرضِ شروطِهِ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة؟ هل سيستطيع «حزب الله» ومَن معه من فريق العهد والوزير باسيل وفلول الثامن من آذار أن يفرضوا أجندتهم الإقليميّة في ظلّ تدهور واضحٍ لمَن يدينون له بالولاء الإقليمي؟ أم أنّ المعارضة المثلّثة الأضلع المكوّنة من السياديّين والتغييريّين والمستقلّين ستنجح هذه المرّة بفرض شروطها للمرحلة المقبلة؟

 

صحيح أنّ المرحلة القادمون عليها معقّدة جدّاً، لكن هذا لا يعني الاستسلام. فعلى ما يبدو أنّها ستكون مرحلة التغييرات بامتياز. لقد بات واضحاً في العالم اليوم أنّ سقوط التيّارات والأيديولوجيّات الأحاديّة والأنظمة التوتاليتاريّة بات حتميّاً. من هنا، لا يمكن السير بحكومة لا تراعي هذه التغيّرات. فالرئيس ميقاتي نفسه يبحث عن دور بطوليّ علّه يؤمّن له بوّابة عريضة للبقاء في الحكم طوال المرحلة القادمة. من هنا نفهم طرحه لحلّ ملفّ النازحين واللاجئين على السواء في هذا التوقيت بالذات. وقد ينجح في مسعاه هذا لأنّه تحيّن اللحظة الإقليميّة جيّداً وعرف كيف يضغط على الرّعاة الإقليميّين للقضيّة اللبنانيّة. فهذه القضيّة سلكت طريقاً من طرق الحلول التي قد تكون مقبولة لبنانيّاً وإقليميّاً وحتّى دوليّاً. وإلا لما طرحها الرئيس ميقاتي في هذا التوقيت الدقيق بالذات.

 

والسباق السياسي اليوم في لبنان بين فئتين اثنتين: فئة تملك مايسترو يستطيع أن يستخدم الوسائل كافّة ليضبط إيقاعها؛ أعني هنا الفريق الذي يدين بالولاء للمحور السوري – الإيراني بأطيافه كلّها. وفريق ثانٍ لا يملك هذا المايسترو لأنّ بعض مَن فيه لا يملك الخبرات الكافية ليقدّر مدى خطورة هذه المرحلة، بل هو يقارب الأزمة من منطَلَقٍ آنيٍّ ظرفيٍّ بحتٍ يبحث فيه عن مكانٍ سياسيٍّ له ليثبّت وضعيّته السياسيّة علّه يستطيع القيام بما وعد به من إصلاحاتٍ. وبالطبع محور الممانعة يستغلّ نقطة الضعف هذه ويعمل على تجزئة هذا الفريق أكثر ليعمل معه على «القُطعة» السياسيّة، وبالقَطعَةِ أو القطيعةِ السياسيّة.

 

وفي هذا السياق بالذات تأتي قدرة الفريق الممانع في السيطرة على الأداء الحكومي وتوجيهه في الإتّجاه الذي يريده. وبالطبع هذا الإتّجاه سيتضارب مع مشروعات الرئيس ميقاتي التي تبدأ اليوم بقضيّة النازحين واللاجئين ولا تنتهي بمشاريع الطاقة والإتّصالات. وهنا يجب التقاطع مع مشاريع المعارضة على تعدديّتها التي قد لا تختلف مع الرئيس ميقاتي. من هنا، يرى الأخير مصلحته في الاستمرار كرئيس مكلّف من دون تأليف وبرئاسة حكومة تصريف الأعمال ليدير هذه المرحلة حتّى انتخاب رئيس الجمهوريّة.

 

من سابع المستحيلات أن ينجح فريق الممانعة الذي يتهاوى راعيه الإقليمي اليوم بفرض إيقاعه للمرحلة المقبلة في صلب القضيّة اللبنانيّة، وذلك لأنّ وضع لبنان الجيواستراتيجي اليوم وقضيّته الهيدروغرافيّة التي باتت استراتيجيّة هي الأخرى، لا يمكن أن تترَكَ عرضة للتجاذبات السياسيّة مع مصلحة العالم باستثمار مصادر جديدة للطاقة أوفر بكثير من مصادر النفط، أعني هنا الغاز الطبيعي في شرق المتوسّط.

 

والخوف يبقى من تهوّر قد يقوده محور الممانعة في محاولة أخيرة منه لفرض أجندة مفاوضاتيّة، لا أعتقد بأنّه سينجح بذلك؛ لكن لا يمكن استثناء هذا العامل لأنّ الخاسر قد يقدم على عمليّة انتحار جماعيّ على أن يُترَك ليهزَم وحده. إمكانيّة تقاطع مصالح الفريق المعارض مع المصالح الإقليميّة والدوليّة أكبر بكثير من إعادة إحياء لمحور الممانعة المتهاوي من البوّابة اللبنانيّة. لذلك سيكون الرئيس المقبل للجمهوريّة شهابيّ النّهج، وسيعمل على إعادة الروح الدّستوريّة إلى المؤسّسات التي نجح محور الممانعة بتفريغها منه.

 

في الخلاصة، ستكون هذه الحكومة رئاسيّة النّهج أيضاً لكن احتمال إطالة عمرها سيكون ضئيلاً لحاجة الكلّ إلى رئيس جمهوريّة بنّاء في المرحلة القادمة. فهل ستكون المؤسّسة العسكريّة مرّة جديدة تحت مجهر البنّائين الجدد لإعادة السيادة والدّستور ولبنان الرسالة؟