IMLebanon

حكومة تصريف الأعمال تُبعث من بين الأموات!؟

 

كان يكفي أن يدلي وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بكلماته المعدودة، التي دعا فيها إلى “مساعدة شعوب العراق ولبنان على التخلص من النفوذ الإيراني وتحقيق تطلعاتهم”، كي يثبت لقوى الثامن من آذار، وبالوجه الشرعي، أنّ للحراك الشعبي أجندة سياسية محددة تتخطى الشعارات الإصلاحية.

 

كلام وزير الخارجية كان بمثابة “شحمة على فطيرة” الشكوك التي تجتاح أذهان هذا الفريق وتدفعه إلى التدقيق في كل خطوة قد يقدم عليها أو تعرض عليه. بات أركان هذا المحور متأكدين أنّ ما يشهده الشارع اللبناني، على صحّة شعاراته وصدقية ناسه، مثير للريبة، إذ ثمة جدول أعمال مخفي لجهة ما، قررت تسلّقه وسرقته لاستثماره في الصراع السياسي. وهذا ما وجب التنبّه منه.

 

ينضم إلى هذه “الحدفة”، سلّة إشارات غير مطمئنة، بنظر هذا الفريق، تدفعه إلى اللجوء إلى الحذر في مقارباته. أبرز تلك الإشارات هي التخبّط الذي يظهره أداء رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري المتأرجح بين رغبته بالعودة إلى نادي رؤساء الحكومات وبين خشيته من التحديات التي قد تواجهه، وبين رفضه لحكومة ملونة سياسية وقبوله بها ومن ثمّ إصراره على ترؤس حكومة تكنوقراط مكتومة القيد السياسي ورفضه تسمية ممثل عنه للرئاسة…

 

ولعل هذا التخبّط هو ما أراد “التيار الوطني الحر” اظهاره بالعين المجرّدة من خلال تبنيه خيار حكومة الكفاءات التي تشمل الرأس كما المكونات، ما يعني اخراج كل وجه ذي لون سياسي من الجنة الحكومية، وذلك “لزرك” الحريري في خانة رفض هذا الطرح، وبالتالي دفعه إلى المربع الثاني المتمثل بحكومة مطعّمة ببعض الوجوه المسيسة.

 

يقول أحد نواب هذا المحور إن الحريري نفسه ليس جاهزاً لترؤس حكومة من الاختصاصيين، كونه يدرك مخاطر حكومة غير محمية سياسياً طالما أنّ خيارات مكوناتها ضبابية وقد تسير بالبلاد نحو المجهول، خصوصاً وأنّه لا يمكن عزل لبنان عن محطيه وتطوراته السياسية، فيما التحديات التي تحيط بالمشهد اللبناني، ليست من الطبيعة الاقتصادية والمالية فقط، وإنما سياسية بامتياز. فيكف يمكن إخراج كل الوجوه السياسية من السلطة التنفيذية؟

 

يشيرون إلى أنّ هذا الخيار هو بمثابة انقلاب يطيح بالتركيبة السياسية التي لا تزال تتحكم بميزان القوى في مجلس النواب، ويمكن لأي حكومة ستتشكل أن تسقط بضربة الثقة القاضية في البرلمان. ولهذا يقول هؤلاء إنّ الحكومة الحالية، ولو كانت بصفة تصريف أعمال، فهي أفضل من أي حكومة قد تأتي مجهولة الانتماء السياسي.

 

يضيفون إنّه بعد مرور أكثر من عشرين يوماً على انطلاق الحركة الشعبية والتي تضمّ قيادات مثقفة ومطلعة وذات كفاءة، لم يبادر أي منها إلى تقديم اقتراحات جدية تكون بمثابة مشاريع قوانين اصلاحية أو انقاذية يمكن تبنيها من النواب لعرضها على الهيئة العامة للمجلس… الأمر الذي يزيد من تساؤلات هذا الفريق حول وجود قطب مخفية لا تزال تتحكم بمسار التطورات.

 

ورغم ذلك، يشير هؤلاء إلى أنّ الضبابية لا تزال تحيط بالمشهد اللبناني، خصوصاً وأن ما يأتيهم من مسؤولين أوروبيين لا يوحي بأنّ البلاد مقبلة على اصطفاف جديد – قديم يعيد فرز اللبنانيين بين محوري 14 و8 آذار، لا بل يحرص الأوروبيون على طمأنة اللبنانيين ودفعهم إلى تأليف حكومة قادرة على لملمة الوضع واستيعابه من دون وضع أي فيتو على مشاركة أي فريق في الحكومة، وتحديداً “حزب الله” من خلال ممثلين غير حزبيين.

 

بالنتيجة، لا تزال المشاورات تواجه أفقاً مسدوداً، ولو أنّ الخطوط مفتوحة بين المقار الرسمية، سواء بين بعبدا وبيت الوسط أو بين بعبدا والثنائي الشيعي، بانتظار أن يحسم الرئيس الحريري خياره علماً بأنه لا يزال متمسكاً بشروطه لترؤس الحكومة فيما قوى الثامن من آذار متمسكة بتسميته، ولكن بشروطها هي. وهناك من يلوح بامكانية إعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال كأهون الشرور المطروحة.