IMLebanon

الحكومة الفاقدة للقرار ولحرية الاختيار

 

اقتصر الحضور لسماع كلمة الرئيس حسان دياب في قاعة الصحافة في السراي الكبير يوم السبت الماضي على الوزراء في الحكومة. ولم يسمح للصحافيين ولمندوبي شبكات التلفزة بحضور وتغطية الحدث، في الوقت الذي كان من الممكن ملاحظة العديد من إشارات الوجوم والحذر على وجوه العديد من الوزراء الحاضرين. وبقيت أسباب تغييب مندوبي وسائل الاعلام عن الخطاب «الرئاسي المهم»، خصوصاً وأنه كان مخصصاً لاعلان قرار مالي يقضي بامتناع لبنان عن سداد سندات «اليوروبوند» المستحقة، سواء كانت في أيادي جهات دولية أو مؤسسات لبنانية، خصوصاً وأنها لم تترافق مع اعلان رؤية اصلاحية شاملة لكل وجوه الأزمة، بأبعادها المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية. هل خشي رئيس الحكومة من تلقي اسئلة من الاعلاميين لا يملك حرية الإجابة عليها؟

 

يؤشر المشهد الى وجود خلل أساسي في القيادة السياسية المتمثلة بمجلس الوزراء، بالإضافة إلى وجود «توك»* في آلية القرار السياسي، وهي تنعكس بحالة من التمهل والإرباك والتسويف في سلوكيات وقرارات رئيس الحكومة. من المسلم به أن هناك مجموعة من القرارات الداهمة التي من المفترض أن يسارع رئيس الحكومة إلى اتخاذها، من أجل تثبيت موقعه في الحكم وبالتالي إقناع الرأي العام، وخصوصاً قوى الانتفاضة بأنه يملك الرؤية الشاملة والإرادة والتصميم على السير قدماً في خطة إصلاحية شاملة للخلل السياسي والبنيوي والمالي والنقدي، ناهيك عن القدرة على المبادرة لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد المهدد بالسقوط في حالة من الكساد الكامل.

 

يشكل قرار عدم سداد سندات «اليوروبوند» جزئية من رؤية وخطة شاملة للتعامل مع الأزمة الراهنة، ولا يمكن لرئيس الحكومة ووزرائه الاعتداد بها كخطوة على طريق المعالجة الشاملة للتدهور الحاصل على المستويين الاقتصادي والمالي مع كل ارتداداتهما وتساقطاتهما السامة على الوضع الاجتماعي والذي يزداد تردياً بسبب البطالة وقلة السيولة الناتجة عن التعامل غير القانوني والمجحف الذي يعتمده أصحاب المصارف مع المودعين.

 

تفترض خطورة المرحلة أن يبادر رئيس الحكومة إلى التحرر من قيود الوصاية المفروضة عليه من قبل الثنائي الشيعي، ومن قبل التيار الوطني الحر، سواء خلال عملية تشكيل الحكومة أو خلال جلسة إعطائهم الثقة للحكومة، وأن يعلن خياراته الاصلاحية، ويقرنها بقراراته الصارمة لمعالجة مختلف القضايا الأساسية والملحة، والتي يمكن أن تتركز على المسائل الأساسية الآتية:

 

1- يدرك رئيس الحكومة بأن الدولة مفلسة، وبأن القطاع المصرفي بات على شفا الإفلاس، وبأن الأوضاع المالية في القطاعين العام والخاص تسير من سيئ إلى أسوأ، وبأن المخرج الوحيد من الأزمة المالية المتفاقمة يتركز على ضخ ما يقارب عشرة مليارات دولار جديدة في المالية اللبنانية، وهو الأمر الذي لا يمكن تأمينه إلا من خلال التعاون المباشر مع صندوق النقد الدولي. وهنا لا بد من التساؤل عن تباطؤ رئيس الحكومة في دعوة الصندوق للمساعدة في حل الأزمة على غرار ما تفعله أربعين دولة أخرى تواجه التعثر في ماليتها العامة؟

 

إذا كان رئيس الحكومة  يدرك أهمية الحصول على المساعدات المالية اللازمة للخروج من الأزمة فإن عليه أن يبادر إلى كسر القيود التي فرضها عليه حزب الله لجهة التعامل مع الجهات الدولية للبحث عن مخارج للأزمة.

 

2- لا بدّ أن يعلم رئيس الحكومة بأن قراره بدعوة صندوق النقد الدولي للمساعدة في حل الأزمة سيشكل خطوة أساسية على طريق انفتاح الدول العربية والصديقة على لبنان، وبالتالي فتح الطريق أمامه للقيام بزيارات لهذه الدول، تؤسس لعملية البحث عن مساعدات مالية (على شكل قروض ميسرة أو عطاءات أو ودائع) تساعد على تدارك مفاعيل الأزمة المالية – الاقتصادية وتقصير آجالها إلى ما يتراوح ما بين ثلاث وخمس سنوات.

 

3- من أبرز القضايا الملحة التي من المفترض أن تبادر الحكومة إلى التعامل معها وحلها مالياً، والتي تشكل قضية قانونية وحقوقية هي مسألة التدابير الجائرة والمذلة التي فرضتها المصارف في التعامل مع المودعين لديها، مع كل ما تتركه على المواطنين من كراهية وإدانة لأصحاب المصارف وللسلطة التي تشيح بنظرها كلياً عن ارتكابات المصارف مخالفات للقانون العام والخاص من خلال تقنين سحوباتهم المالية إلى مئة دولار أو أقل أسبوعياً. تبرز الضرورة لمعالجة هذه الموضوع من قبل الحكومة بعد كل ما تركه قرار تجميد الإجراءات التي أوصى بها المدعي العام المالي في موضوع تحويلات المصارف المالية إلى الخارج من تساؤلات وشكوك حول إضطلاع رئيس الحكومة شخصياً وبشراكة من مدعي عام التمييز بتجميد تلك الإجراءات وبحجة أن القانون لا يمنع التحويلات للخارج.

 

وهنا لا بد أن نسأل أصحاب هذه الفتوى: هل يجيز القانون للمصارف التحكم وحجز أموال المودعين، ويحررهم من أية ضوابط لتحويل أموالهم الخاصة إلى الخارج؟ تتحدثون عن قانون يبيح للأثرياء حرية تحريك أموالهم، في الوقت الذي يصادر فيه هؤلاء حقوق المواطنين بالتصرف بحساباتهم.

 

4- لا بد من التساؤل عن مدى إدراك رئيس الحكومة للتأخير الحاصل في المبادرة إلى بلورة خطة واضحة وسريعة للإصلاحات المالية والبنيوية في هيكل الدولة المترهلة. على الصعيد المالي تفترض الضرورة الملحة استعادة الموازنة ووقف تنفيذها وتخفيض مجمل المصارفات بآلاف مليارات الليرات قبل فوات الأوان، لأن هذه الموازنة في حال تنفيذها ستؤدي إلى زيادة الدين العام بما يتراوح ما بين سبعة وتسعة مليارات دولار. والأمر الملح الآخر يتعلق بإعادة هيكلة الدولة وإلغاء جميع المؤسسات والصناديق التي تشكل المزاريب الأساسية للهدر المالي بالإضافة إلى تصغير حجم الدولة وضبط سلوكية الفساد المهيمنة على جميع قطاعاتها، ولا بد من إعطاء أهمية خاصة لموضوع استقلالية القضاء، وبالتالي العمل على إقرار التشكيلات القضائية التي وضعها مجلس القضاء الأعلى.

 

5- لا يمكن الادعاء بوجود حكومة إصلاحية تعمل لحل الأزمة الراهنة في ظل الاهتزاز الحاصل في التوازنات السياسية الناتجة عن وجود حكومة اللون الواحد، وفي ظل سيطرة حزب الله على كل قرارات الحكومة، في الوقت الذي يستمر في عملياته العسكرية في سوريا ودول عربية أخرى وفي ظل تصعيد نظام العقوبات المفروض عليه أميركياً ودولياً وعربياً مع كل ما يتركه ذلك من تداعيات على لبنان.

 

من هنا تبرز أهمية أن تثبت الحكومة قدرتها على التصرف بحرية وبما يتجاوب مع المصالح الوطنية وحمايتها دولياً وعربياً، وذلك إدراكاً منها بأنه لا اقتصاد ولا ازدهار ولا تنمية أو مساعدات من دون تحقيق الاستقرار وعامل السيادة الوطنية واستعادة هيبة الدولة والثقة بها داخلياً وخارجياً، بعيداً عن كل الخطب الإنشائية التي درج عليها رئيس الحكومة.

 

6- أخيراً فاجأنا حاكم مصرف لبنان وبعد طول انتظار، بتعميم حول سقف سعر صرف الليرة في السوق الموازية، والذي حدده بثلاثين في المئة فوق السعر المعتمد من مصرف لبنان. شكل هذا القرار إعلاناً للحاكم بأن له الحق التدخل في سوق القطع بموجب تطبيق المادة 83 من قانون النقد والتسليف. لكن يبدو أن الصرافين غير قابلين بالتعميم أو الالتزام بتنفيذه.

 

هنا تبرز أهمية تضافر جهود جميع أجهزة الدولة على فرض تنفيذ هذا التعميم تحت طائلة التوقيف الاحتياطي للمخالفين واقفال مؤسساتهم بالشمع الأحمر.

 

وليعلم المسؤولون بأن الصرافين ومن وراءهم قد تسببوا بموجة غلاء الأسعار وذلك من أجل جني ثروات سريعة، بدأوا بتهريبها إلى الخارج لتوظيفها في استثمارات عقارية في تركيا والبرتغال وقبرص وكندا وغيرها.

 

في النهاية، لا تتوافر أية ضمانات حول توجه الحكومة ورئيسها للمبادرة لإطلاق العملية الإصلاحية الكبرى، ويستدعي هذا الأمر إعادة تفعيل الانتفاضة وإعطائها الزخم الذي كانت عليه عند انطلاقتها، مع التشديد على ضرورة عودتها إلى شعاراتها الأولى وفي مقدمها شعار «كلن يعني كلن».

 

العميد الركن نزار عبد القادر