IMLebanon

تحـدّيات الحكومة في هذه المرحلة المصيرية

 

عاش لبنان مرحلة فراغ وعدم إستقرار سياسي – أمني – اقتصادي – مالي – إجتماعي، كما أنه عاش فراغاً إمتدَّ إلى أغبية مراكز الدولة الشرعية – الدستورية، وإنّ لبنان اليوم يواجه أزمات جمّة وسط تحدّيات ربما داخلية – خارجية منها الإقليمي ومنها الدولي. تجلّتْ تحدّيات المرحلة الراهنة بعملية فراغ دامت لأكثر من سنتين نتيجة تعنّتْ بعض الأطراف السياسية ونتيجة حرب استعرّت على الأرض اللبنانية وأفضتْ إلى توّغُـل قوات العدو لقسم من الأراضي اللبنانية، كما أفضتْ هذه الحرب إلى توقيع إتفاقية وقف إطلاق النار من ضمن بنود معلنة وأخرى مستترة ربما يُراد تفسيرها وفقاً لواقع الأمر على الأرض وكان أول تفسير تمديد فترة الإحتلال الإسرائيلي للمناطق الحدودية التي سيطرت عليها وكانت الأسباب أنّ الحكومة اللبنانية لم تفِ بوعودها التي وافقت عليها والتي تتضمن فيما تتضمن تفكيك ما تبقّى من بُنية عسكرية لميليشيا حزب الله ضمن منطقة الجنوب وما بعد الليطاني.

تتمثّل التحدّيات التي ستواجه حكومة الرئيس نوّاف سلام في اضطرابات سياسية منها الوضع في جنوب لبنان وما تضمنته وثيقة «وقف إطلاق النار»، ويظهر أنّ هناك تعنّتاً وصعوبة في إقناع ميليشيا حزب الله بتفكيك بنيتها العسكرية بعد الفشل الذريع في الادّعاء بأنها قادرة على المحافظة على الحدود اللبنانية وبأنها منتصرة «لما بعد حيفا». التحدّي الأول أمام الحكومة هو إستعادة سيادتها من العدو الإسرائيلي وعلى ما يظهر من خلال البعثات الدبلوماسية أنّ الدولة اللبنانية لم تتمكّن من نشر العديد المطلوب منها ضمن وثيقة وقف إطلاق النار، وهذا أمر يشي بعجــز في مسألة تطبيق السيادة المطلوبة من الدولة اللبنانية، إضافةً إلى أمر أخطــر ألا وهــو تفكيك بُنية ميليشيا حزب الله العسكرية وعلى ما يبدو هناك تملُّص من قبل مسؤولي هذه الميليشيا (العسكر + نواب الحزب)، في تطبيق ما اتُفِق عليه بين الحكومة اللبنانية والأميركيين ودولة العدو. إنه تحدّي سيادي بإمتياز وبالتالي لا يمكن التكهُّن من إمكانية الوصول إلى النتيجة المرجوّة كما الإلتزام الحرفي ببنود القرار الأممي /1701/، ولا حاجة لتذكير القارئ الكريم أنّ «ميليشيا حزب الله أنشأت بنيتها العسكرية في جنوب لبنان، كل هذا حصل وقوات «اليونيفيل» وقوى السلطة لم يقوما بدورهما لمنع ذلك». إنّ هذا التحدّي العسكري لا يمكن أن يتحقق أو ليس بإستطاعة الحكومة تحقيقه إلّا في حالة واحدة ألا وهي معالجة المفهوم القانوني لمسألة السيادة الوطنية من خلال منظومة محلية – إقليمية – دولية تضمن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة بالإستناد إلى المبدأ الثالث الذي ينص «نزع السلاح وتنظيم التسليح». سؤال يُطرح في سياق هذه المقالة: هل ستستطيع الحكومة عبر وزارتي الدفاع والخارجية من تذليل كل هذه التحديات؟ في الوقت الحالي لا جواب بإنتظار ما سيرشح في مضمون البيان الوزاري.

 

قد يعتقد بعض المراجع اللبنانية ومنها مراكز أبحاث أنّ الوضع على ما يُرام، وهذا أمر غير منطقي ويُقارب الهذيان، لأنّ الأوضاع العامة في البلاد ستضغط في العديد من الاتجاهات السلبية، لن نستعرض هذا الكلام من باب التهويل أو من باب التشاؤم إنما من باب مقاربة الأمور بالطرق الموضوعية. هناك العديد من التحدّيات أمام العهد والحكومة وهي تحدّيات مستفحلة عمرها من عمر الأزمات لا بل منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني. ومن أبرز هذه التحديات: الفساد وهجانة المؤسسات الرسمية السياسية – الإدارية – العسكرية – القضائية – الدبلوماسية، والصراحة في هذا المجال تؤكد أنّ الفساد في كل المؤسسات المذكورة هو من أبرز العوامل التي ستُعيق حتماً عمـل هذه الحكومة، والأسباب عديدة نختصرها لضيق المجال بالتالي ضعف المؤسسات الرسمية الحكومية ونقص الشفافية، وهذان الأمران يُسهلاّن إنتشار الفوضى وعدم الإلتزام بالنصوص الدستورية وتطبيق مندرجات القرارات الدولية، وهذا ما سيؤدي إلى نوع من فقدان الثقة في النظام السياسي اللبناني على المستويات كافة: داخلية – عربية – دولية، والشرط الأول والأوحـد للمصداقية السياسية هو ما سيُدرج في البيان الوزاري على صعيديّْ الإصلاح وتطبيق القوانين.

 

أيضاً هناك تحدٍّ كبير أمام عمل العهد والحكومة ألا وهـو تنامي الإرهاب والتطرُّف والسلاح غير الشرعي المنتشر على كافة الأراضي اللبنانية وهذا التحدّي ليس وليد الساعة بل هو تراكم زمني من الإخلال بالنظم السياسية والأمنية والإجتماعية، وهذا الإخلال سيعكُس الهشاشة الكبرى على الأمن الداخلي في الجمهورية اللبنانية مما سيؤدي حتماً إلى فقدان الثقة في موضوع الأمن الداخلي وسيضطر بعض المستثمرين إلى عدم الدخول في مجالات إستثمارية في لبنان لإنعاش الاقتصاد اللبناني. وفي حالة تدهـور الاقتصاد ستتنامى الحركات الأصولية في المدن الكبيرة حيث الكثافة السكانية وفي بعض الأرياف.

التحدّي الخطير والذي يجب أن يكون من ضمن أولى أولويات البيان الوزاري هو الإنقسام الإجتماعي والسياسي في لبنان علماً أنّ هناك تزايدا ملحـوظا للفجـوات بين المكوّنات الشعبية المختلفة والتي ستعكُس انقسامات سياسية تهدِّد الوحـدة الوطنية وتسهل الإنزلاق نحــو الفوضى. المطلوب من الحكومة الجديدة وضمن الأطــر الممكنة ممارسة سياسية – إجتماعية صادقة وملموسة وعبر محاولة دمج المواطنين ضمن معايير أخلاقية – دينية – وطنية – إجتماعية، وضمن مؤشرات صادقة للمساواة الحقيقية، أي المساواة بين اللبنانيين هي اندماجهم في المجتمع اللبناني على صعيد: الإنتاج – الإستهلاك – العمل السياسي – التفاعـل الإجتماعي. كما نبذ اللامساواة التي تعني الإستبداد والحرمان والإقصاء عن المشاركة في كل المجالات.

تحدّيات الحكومة في هذه المرحلة المصيرية، يصعب تجاهـلها، وإنّ أي عملية إصلاحية ضمن البيان الوزاري للحكومة يجب أن يتضمن عدم الإنزلاق نحو سياسة الليونة والتكيُّف بالأمر الواقع… هل يُحْتَمل أن يكون عنوان البيان الوزاري عهد وحكومة يحملان شعار «الأمر لي» لننتظر ونرى ونُعقِّب.

* كاتب وباحث سياسي