IMLebanon

فورة “تسريع” التأليف لتثبيت “التصريف”

 

 

لكثرة ما دعا النواب خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها الرئيس ميشال عون لتسمية الرئيس المكلف، وخلال الاستشارات غير الملزمة التي قام بها الرئيس نجيب ميقاتي، من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة، باتت هذه الدعوة بذاتها مدعاة للشك في إمكان تحقيقها. فتوقع الفراغ الحكومي، ومن بعده الرئاسي سبق الاستحقاق بأشهر. وبعض الكتل التي سمت من تقترح لرئاسة الحكومة، وتلك التي لم تسمِّ، بنت حساباتها، كل من منظارها وانتماءات نوابها، على أن الحكومة الجديدة لن تبصر النور.

 

فمن الكتل من اعتبر أن الفترة المتبقية من العهد لا تستأهل عناء التأليف أو الاشتراك في حكومة قد لا تتمكن من العمل أكثر من شهرين، إذا أخذ التأليف شهراً أو أقل ثم إعداد البيان الوزاري وجلسات الثقة شهراً آخر، بينما يتعرف الوزراء الجدد على الملفات في وزاراتهم. والبعض الآخر تسلح بمطلب استعجال التأليف متوهماً بإمكان التبرؤ من تهمة فرض الشروط التعطيلية، والبعض الآخر فاقد للأمل بأي إنجاز في الأشهر الأربعة الأخيرة من العهد الرئاسي، بينما توجس الباقون من فتح باب التوزير لأنه سيتيح للفريق الرئاسي في حال تشكلت الحكومة أن “يهبج” ما يستطيع ويقنص ما يريد من منافع عبر القرارات الحكومية المنتظرة. فها هو رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، بعد أن قال إثر الانتخابات إن تياره لا يريد المشاركة في الحكومة، يستدرك ولا يغلق باب المشاركة تاركاً القرار في هذا الشأن لاجتماع كتلته… لعله يستأثر بالتمثيل المسيحي كما في الحكومتين السابقتين، لأن حزب “القوات اللبنانية” بقي على موقفه بعدم المشاركة وكذلك حزب “الكتائب”…

 

حتى الصيغة التي تردد أن ميقاتي يسعى إليها بتبديل 6 وزراء مع الإبقاء على هيكل الحكومة الحالية بمعظم وزرائها، لم يرَ فيها بعض العارفين ببواطن الأمور إلا محاولة للإبقاء على الحكومة الحالية، بصيغة تصريف الأعمال، إذ إن تغيير هؤلاء الوزراء سيدخل الرئيس المكلف في مماحكة مع الرئيس عون حول من يتم استبداله، وبمن، ويفتح شهية البعض على تغيير في الحقائب قد يسبب خللاً في توزيعها، فضلاً عن المطالبة من قبل “التيار الحر” بأن تؤول المالية إلى غير الشيعة، إضافة إلى القناعة العامة بأن الرئاسة لن تسهل قيام أي حكومة لا تضمن إمساك باسيل بناصية القرار فيها تحسباً لمرحلة الفراغ الرئاسي المرجح. هذا في وقت يعتبر “الثنائي الشيعي” حسب أوساطه، أنه مهما ناور البعض أو جرى تغيير بضعة وزراء، فإن هذه الحكومة هي التي ستحكم وليس غيرها، وهي التي ستتولى صلاحيات الرئاسة في حال لم ينتخب رئيس جديد للجمهورية قبل 31 تشرين الأول المقبل.

 

بل إن بعض خصوم الحزب فهموا تصريحات رئيس كتلته النيابية النائب محمد رعد، وبعض نواب الحزب حول ضرورة السرعة في تأليف الحكومة وبانتقاد رفض بعض خصومه المشاركة فيها على أنه استعجال لتثبيت بقاء حكومة تصريف الأعمال حتى نهاية العهد وانتخاب الرئيس الجديد، لأن ذلك يوفر عليه إعادة النظر ببيانها الوزاري وسط المعارضة الواسعة السياسية والنيابية لتكرار لازمة معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” فيه، سواء مواربة أو صراحة. فالتعويم هو الخيار الأمثل للحزب لأنه جزء من توجهه لمحاولة تعويم المرحلة السابقة على رغم فقدانه وحلفاءه، الأكثرية في البرلمان، مع كل الشوائب التي تتصف بها الأكثرية الجديدة.

 

هل العامل الخارجي الضاغط من أجل التأليف بسرعة هو الذي يجعل الفرقاء الذين يتقنون التعطيل، يتصدرون الدعوة إلى تسريع ولادة الحكومة بعد المواقف التي صدرت من معظم الدول؟ تدلي هذه الدول بمواقفها الملحة على قيام الحكومة وتستبق في الوقت نفسه أي فراغ في الرئاسة، وفي قناعة بعثاتها الديبلوماسية في بيروت أن الوضع سيسوء في حال الفراغ الحكومي والرئاسي، فيما المراهنة على مساعدة دولية لإنهاء الفراغ غير واردة.

 

ويقول مصدر ديبلوماسي فرنسي في هذا السياق إن تأخير الاستحقاقات الدستورية يساوي إبقاء الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي (الموازنة، رفع السرية المصرفية، الكابيتال كونترول، قانون تنظيم المصارف…) من أجل إنجاز الاتفاق معه الذي جرى التوصل إليه على مستوى الموظفين، من دون تنفيذ، ويعني تأخير الحلول للأزمة الاقتصادية والمالية. وهي شروط على البرلمان والحكومة اتخاذ القرارات في شأنها. تأخيرها يقود إلى تدهور أكبر في الاقتصاد، نحو اقتصاد ميليشيوي حيث ينتقل الوضع إلى حالة اللادولة، بغياب المؤسسات وتفاقم الغلاء وارتفاع سعر الصرف. ومعنى إحداث الفراغ وبالتالي تأخير تنفيذ شروط الصندوق أن الأرقام ستتغير عما كانت عليه في 7 نيسان عندما تم التوصل للاتفاق معه، والنتيجة أن التضخم سيرتفع، والعجز في الموازنة سيتضاعف، والخارج لن يتدخل لأنه منشغل بأولويات أخرى.