IMLebanon

من قطوعات التكليف.. إلى متطلبات الإنقاذ

 

 

 

صدمة الإعتذار أعادت الوضع السياسي إلى بدايات الإنهيار بعد إستقالة حكومة الحريري تحت ضغط إنتفاضة تشرين، وحالة الضياع التي واكبت تخبط السلطة التي فقدت ثقة الداخل، ولم تحافظ على مصداقيتها تجاه الخارج.

 

ومما يزيد مسلسل الأزمات تعقيداً إنحسار هامش المناورة أمام أطراف المنظومة السياسية الغارقة في خلافاتها وعجزها، وضيق الوقت أمام إستحقاقين مفصليين، الإنتخابات النيابية في ربيع العام المقبل، والإنتخابات الرئاسية في خريف العام نفسه.

 

وهذا يعني أن لا مجال لهدر المزيد من الوقت والفرص في المماحكات والكيديات السياسية الأنانية، فيما البلد يغرق في موجات من الإنهيارات المتتالية، وتداعياتها في تعميم البطالة والفقر، ونشر الفوضى والفلتان الأمني، بعد العجز المتمادي في وقف الإنحدارات المستمرة، والفشل في تلبية طلبات الدول المانحة الإصلاحية، مقابل فتح أبواب المساعدات المالية العاجلة.

 

الواقع المتأزم إقتصادياً ومالياً ومعيشياً يفرض على السلطة ومعارضيها، الإسراع في تأليف الحكومة العتيدة، وتجاوز الخلافات التقليدية والحساسيات الشخصية، تجنباً لإنفجار المخاطر المحدقة بالبلد، والوصول إلى نقطة اللاعودة في دوامة السقوط المستمر .

 

منذ أواخر ٢٠١٩ لم يعد الرهان على حكومة إنقاذية تحمل الحلول الجذرية والسحرية لهذا الكم من المشاكل والأزمات، بقدر ما أصبح طموح أكثرية اللبنانيين هو وجود حكومة قادرة على وقف الإنتقال من قعر إلى آخر في جهنم، وتنفيذ برنامج أولويات، هو أشبه بالعلاجات المستعجلة لمريض في غرفة العناية الفائقة، يُعاني من إنهيار صحي شامل، ويحتاج إلى مجموعة علاجات منظمة لفترة من الوقت، بعدما يتجاوز مرحلة الخطر بواسطة العلاجات الفورية والسريعة.

 

هل تسمح الخلافات الداخلية المستفحلة بين الأطراف السياسية والحزبية من جهة، والضغوط والتداخلات الإقليمية والدولية من جهة ثانية، في إيصال المريض إلى المستشفى، وحصوله على العلاجات الأولية والعاجلة؟

 

لا بد من الإعتراف بأن لبنان تحوّل في السنوات الأخيرة إلى ساحة من ساحات الصراع بين المحورين العربي والإيراني في المنطقة، وأن التأزم الحالي تعود بعض جذوره لهذا الواقع، نتيجة لإنسحاب الصراعات الخارجية على المشهد السياسي اللبناني وتناقضاته المحلية، السياسية والطائفية المعهودة.

 

ولكن لا نخال أن هيمنة التوترات الإقليمية على الوضع السياسي اللبناني تحول دون تنفيذ برنامج إنقاذي مرحلي وسريع يوقف الإنحدار المخيف، بإنتظار التسويات القادمة على المنطقة، بعد الإنتهاء من مفاوضات البرنامج النووي الإيراني المعلقة حالياً في فيينا، إلى ما بعد إستلام الرئيس الإيراني المنتخب صلاحياته الدستورية.

 

وتركز «نصائح» الدول المانحة على محورين أساسيين لأي برنامج إصلاحي عاجل يتم إعتماده في لبنان: الأول يتعلق بالقطاع المالي وتشعباته المختلفة، والثاني يُخصص لقطاع الكهرباء، موطن الهدر والفساد، ومسبب نصف المديونية العامة للدولة.

ad

 

ولكل محور تفاصيله وخريطته للوصول إلى الأهداف المرسومة بوقف الهدر وتحسين الخدمات، وإعادة ترميم الوضع المالي، والإستعانة بكبريات الشركات العالمية، مثل «سيمنس» ومثيلاتها، لإنقاذ لبنان من العتمة، وإنهاء مرحلة العجز والفشل، ووقف عمليات النهب والسرقات المنظمة في هذا القطاع الذي ساهم وإلى حد كبير في إفلاس خزينة الدولة.

 

ولكن الوصول إلى هذه الخطوة العملية على طريق الإنقاذ، يتطلب مرونة فائقة من أهل السلطة في إدارة دفة الحكم، والعمل بجدية وتجرد لتجاوز قطوعات التكليف والتأليف، والعمل لكل ما من شأنه تسريع الولادة الحكومية.

 

لعل الأهم في هذا المجال هو مبادرة رئيس الجمهورية وفريقه في معالجة الفجوة الكبيرة الحاصلة بين الطائفة السنّية والعهد، وبالتالي إصلاح الخلل الحالي في المعادلة الوطنية، بسبب الضغوط التي تتعرض لها هذه الطائفة الكبيرة والمؤسسة في الكيان اللبناني، والحريصة على صيانة النسيج الوطني، وتعزيز الشراكة مع الآخر في الوطن، على قواعد ثابتة من الإعتدال والحوار والإنفتاح، والمساواة في الحقوق والواجبات بعيداً عن منطق الأكثرية والأقلية العددية والطائفية، وبمنأى عن أساليب الضغط القسري أو التهديد بإستخدام القوة.

 

أما من يُقيس إعتذار الحريري بحسابات الربح والخسارة، فيكون كمن يخوض المعارك الكونشوتية ليوهم نفسه بالربح المزيف، لأن مثل هذا المنطق يزيد الأوضاع تعقيداً، ويصب زيت الحساسيات الشخصية والطائفية على الخلافات السياسية، ولا يخدم متطلبات الإستقرار الذي يبقى البلد بأمس الحاجة له في هذه الحقبة المضطربة من تاريخه.

 

لا رابح ولا منهزم، لا منتصر ولا منكسر،..

 

بل يجب أن يبقى الوطن هو الرابح الأكبر،.. والأول والأخير!