IMLebanon

الحكومة هبّة باردة هبّة سخنة

 

ربما مكتوب على اللبناني أن يعيش دائماً على أعصابه، وأن يعيش حالة أو الأصح حالات انتظار متواصلة، فبعد أن انتظر طويلاً ملء الفراغ في سدة الرئاسة، وبعد مرور قطوع تكليف رئيس الحكومة، ها هو اليوم يعيش أحداث مسلسل تأليف الحكومة، ومسلسل التأليف هذا يجري في إطار مرحلة وقف إطلاق النار -غير المتوقف- والخروقات اليومية التي تجري على مرأى ومسمع من اللجنة الدولية لمراقبة وقف إطلاق النار، وعلى مرأى من قوات حفظ السلام في الجنوب اللبناني. يضاف إلى كل ذلك جو اهتزاز الوضع الأمني في الداخل المتنقل بين تفلّت «موتوسيكلات» الجميزة والجرائم المتنقلة بين المتن وكسروان والتي يقوم بها بعض السوريين وغيرهم من فلول الميليشيات. وإذا كانت حوادث الجميزة تحمل في طياتها رسائل سياسية كما اعتبرها البعض، فإن الفلتان السوري يرتبط بفائض القوة الذي يشعر به النازحون بعد وصول الحكم الجديد إلى السلطة في الشام، والذي بات يشكّل الملاذ البسيكولوجي لأولئك، أما عن تصرف المجموعات المحمية من أذناب الميليشيات وزعماء الأحياء فحدّث ولا حرج.

المماطلة تأكل من رصيد الرئيس المكلّف

وبالرغم من كل هذه الأجواء الضاغطة وبالرغم من التخوّف المشروع من فلتان الأمن في الداخل وعودة شبح الحرب من البوابة الجنوبية فإن تأليف الحكومة يسير على خطى السلحفاة، فكأنه لم يتغيّر شيء والأمور «تيتي تيتي» فمطالب الأفرقاء هي هي، ولم يكن ينقص إلّا متطلبات التغييريين وبعض الأكاديميين، الذين يرون في الرئيس المكلف خشبة الخلاص لكي يتسلقوا سلّم السلطة على أهون سبيل، وهم ليس لديهم من الخبرة في الشأن العام سوى شهاداتهم، وهم لم يستطيعوا من دخول الإطار الحزبي وهم يحاولون التعويض بدخول جنة الحكم. أما الرئيس المكلف فإنه وحتى كتابة هذه السطور لم يستطع بعد «القفز فوق البسين» كما يقول المثل الدارج والذي ما معناه، أنه يُحكى أن عريساً كان ينام إلى جانب عروسه في ليلة الدخلة وأن قطاً كان ينام بين العروسين، وكان السؤال هل يستطيع العريس القفز فوق البسين ليصل إلى عروسه؟. وكل اللبنانيون يتساءلون هل يستطيع الرئيس المكلف القفز فوق مطالب الأحزاب وكل القوى السياسية لتشكيل حكومة يرضى عنها هو في البداية قبل أن يرضى عنها الناس؟ هنا تكمن كل الحكاية التي تؤخّر تأليف الحكومة، فالرئيس سلام قد مضى على تكليفه أكثر من ثلاثة أسابيع، وكان من المفروض أن تُشكل الحكومة في الأسبوع الأول من التكليف ليكون للبنان حكومة شرعية غير منقوصة الصلاحية لتحلّ مكان حكومة تصريف الأعمال غير المجدية، التي وبالرغم من النيّة «الطيبة» لرئيسها لم تكن على مستوى البلد، وكما يُقال في السياسة ليست النوايا هي التي يُعتد بها إنما نتائج الأفعال. فهل يغرق الرئيس المكلف في المطالب والحصص أم أنه يتجاوز ذلك ويتخطّى الجميع؟

مطالب السياسيين ومطالب الوطن

كلنا أمل أن يقوم الرئيس المكلف بوضع لمسته وإمضائه على التشكيلة العتيدة لتكون الحكومة هي حكومة الوطن وليست حكومة الأفرقاء السياسيين، فإذا استطاع الرئيس المكلف من إرضاء ضميره والوطن يكون قد استحوذ على رضى الأغلبية العظمى من اللبنانيين، وبالتالي تصبح عملية أخذ الثقة تحصيل حاصل، فكما حدث بالنسبة لانتخاب الرئيس وتكليف رئيس الحكومة، تصبح الأمور من السهولة بمكان لينعم لبنان بحكومة تتخطّى كل الأحجام لتكون بحجم الوطن. إن الدعم الواسع الممنوح للبنان يجب الاستفادة منه ما زالت الفرصة متاحة، وتشكيل الحكومة ما هي إلّا البداية في رحلة الألف ميل من بناء الوطن والدولة الحديثة. فهل يجرؤ الرئيس المكلف ويخطو خطوات جبّارة لنقل لبنان من بلد الطائفية إلى بلد المواطنة؟، هل يجرؤ الرئيس المكلف ويشكّل حكومة يكون البند الأول فيها هو إرساء الدولة المدنية؟ وإلغاء الطائفية وفصل الدين عن الدولة ووضع الزواج المدني كحق للجميع وليس كخيار للبعض منهم؟ وإقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية يكون المدخل لجميع اللبنانيين على حب الوطن والولاء الوحيد له؟