IMLebanon

حكومة الأعراف.. بمواجهة التحدّيات البتراء!

 

ما أشبه اليوم بالبارحة. المشاهد الكبرى تتكرّر في لبنان، والمسرحية نفسها: التاريخ يُعيد نفسه تحت عنوان التدخل الخارجي في الأزمات اللبنانية!

بالأمس تم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، في الأيام الأخيرة لولاية أوباما المُوقِّع على الاتفاق النووي مع إيران، بعدما رجحت كفة ترامب في السباق الرئاسي، ومن أبرز نقاط برنامجه الانتخابي الخروج من الاتفاق النووي مع إيران. فكان أن تمّ الإفراج عن رئاسة الجمهورية، بعد سنتين وستة أشهر من التعطيل، وقبيل وصول ترامب إلى البيت الأبيض!

اليوم فوجئ اللبنانيون بولادة سريعة لحكومة، تم تعطيل تأليفها أكثر من تسعة أشهر، هيمن فيها النقاش السفسطائي عن الحصص والأحجام، وعن النفوذ والمغانم، من دون التوصّل إلى حل العُقد التي كانت تتناسل، على طريقة: كلما داويت جرحاً سالت جروحٌ. وكان بعضها يظهر في اللحظة الأخيرة، ولسان المعنيين يُردّد: «يا غافل إلك الله!».

الواقع أن مباحثات باريس الأخيرة لم تقتصر على جانبها اللبناني، بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، بل كانت ثمة مفاوضات أهمّ تدور بين الجانب الإيراني ومسؤولين من كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، لعقد اتفاقية تجارية مع طهران، لا تُعتبر التفافاً على العقوبات الأميركية على إيران وحسب، بل اختراقاً صريحاً وجريئاً للقرار الأميركي بمختلف مندرجاته، منذ الخروج من الاتفاق النووي رغم المعارضة الأوروبية، وصولاً إلى فرض العقوبات الجديدة والمشددة على طهران.

وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قد أشار في خطابه الأخير، الذي سبق إعلان الحكومة الجديدة بأيام، أن ما يجري في باريس بمنتهى الجدية… فكان أن فُتحت الأبواب أمام ظهور الحكومة اللبنانية، بمجرد التوقيع على الاتفاقية الأوروبية مع إيران، حيث تولى كبار المسؤولين في «الحزب» مهام حلحلة العُقد الأخيرة مع الأطراف المعنية، بما فيها نقل وزارة البيئة من حصة حركة «أمل» إلى «التيار الوطني الحر»، بناء على إصرار الوزير جبران باسيل، الذي وافق على الاحتفاظ الشكلي بالثلث المعطل، مع علمه الأكيد بأن الكلمة الأخيرة لوزير «اللقاء التشاوري» تعود لـ«الحزب»، وليس لأي طرف آخر، بغض النظر عن «البهورات» والمزايدات التي حفل بها كلامه مساء السبت الماضي، بعد ساعات من أخذ الصورة التذكارية، والذي حاول، من خلاله،  الإيحاء لجمهوره بأنه حصل على كل المطالب والمكاسب التي أرادها في الحكومة الجديدة، وكأن تياره هو الرابح الوحيد في تشكيلة الحكومة، وكل الأطراف الأخرى تقع في خانة الخاسرين… كذا!!

هيكلية الحكومة الجديدة لا تختلف كثيراً عن سابقتها، مع تكريس بعض الأعراف الخارجة عن الأصول الديموقراطية، والبعيدة عن الدستور، نصاً وروحاً. مثل تكريس الوزارات السيادية لقوى سياسية معينة، و«تطييف» الوزارات الخدماتية ضمن المحاصصات الممجوجة، بحيث تتولى كل طائفة الوزارة عينها، بغض النظر عن مقاييس النجاح والفشل في أداء وزرائها!

أما حرمان بعض المناطق من التمثيل في الوزارة على حساب مناطق أخرى، فغالباً ما يحصل مثل هذا الخلل في كثير من الحكومات.

لن ينفع الخوض في نصف الكوب الفارغ الآن، لأن المرحلة التي يمرّ بها البلد بالغة الدقة والخطورة في آن، وملبّدة بكثير من الغيوم الإقليمية، فضلاً عن الاهتزازات الداخلية في مختلف القطاعات الحيوية والمعيشية، الأمر الذي يتطلب تضافراً حقيقياً بين مختلف القوى الحيّة، السياسية والاقتصادية والإنتاجية، كما المدنية، لتعزيز الجبهة الداخلية بمواجهة الأخطار المحدقة، سواء بسبب التهديدات الإسرائيلية، أم نظراً لخطورة الأوضاع المالية والنقدية والتي تتطلب قرارات إصلاحية سريعة، قد لا تكون في معظمها شعبية، سعياً لاستعادة الثقة الخارجية بقدرات الدولة اللبنانية.

ولكن هل ستتمكن الحكومة الوليدة من وقف الانهيار بسرعة، من خلال التصدّي للهدر، وإعلان حربٍ جدّية على الفساد والفاسدين، ورفع الغطاء عن الرؤوس الكبيرة التي تُمعن نهباً في مالية الدولة، وفي مرافقها الأساسية؟

الواقع أن هذه التساؤلات هي عنوان التحدّيات البتراء التي تواجه الحكومة، بل العهد كله!