IMLebanon

هل تكون حكومة المستقلين آخر دواء؟

 

تتناقض المواقف وتتباين حيال مصير الاستحقاق الحكومي الذي يعيش هبّة باردة حيناً وهبّة ساخنة احياناً، أو يتأرجح بين تفاؤل حيناً وتشاؤم طوراً، فيما الوقت يضيع وتنزلق البلاد الى مزيد من الانهيارات السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية، ما يجعل المعالجة المطلوبة أعقد وأصعب، ويدفع كثيرين الى التساؤل عن الخيارات البديلة التي يمكن البناء عليها للخروج من عنق الزجاجة.

 

البناء على المواقف المستجدة اميركياً وفرنسياً وروسياً واممياً عموماً يبعث على الاعتقاد أنّ ولادة الحكومة قد أوشكت، لأنّ في العرف والتجارب السابقة عادة ما تُقرأ هذه المواقف الدولية على انها تعبير عن توافق الاطراف الخارجية على ولادة الحكومة التي طال انتظارها بسبب القحط السياسي اللبناني الذي أنتجته الخلافات بين المعنيين بالاستحقاق الحكومي.

 

وفي العرف والتجارب ايضاً عادة ما تقرأ المواقف الدولية في مثل هذه الحال على أنها «كلمة السر» التي «تهبط» بين ليلة وضحاها، أو انها «الرسالة الى من يعنيهم الأمر»، اي بالنسبة الى المعنيين بالتأليف الحكومي والقوى السياسية المتمحورة حولهم لكي يخرجوا فوراً من دائرة الخلافات ويشرعوا في توليد الحكومة، وقد حدث هذا مع كل الحكومات التي تأخر تأليفها منذ انتهاء ما يسمّيه البعض»الحقبة السورية».

 

لكنّ الظاهر الآن بعد المواقف الدولية المستجدة هو انّ المعنيين بالاستحقاق الحكومي لم يتلقفوا هاتين «كلمة السر» و»الرسالة» الدوليتين الماثلتين ويسارعوا فورا الى تأليف الحكومة متجاوزين خلافاتهم كما كانوا قد فعلوا في استحقاقات سابقة، وهذا إن دلّ الى شيء فإنما يدل الى احد أمرين: إمّا أنهم باتوا يمتلكون من القوة ما يجعلهم لا يأخذون بالارادة الدولية ويتحدونها وسيستمرون متمسكين بمواقفهم، وهذا مستبعد لأنهم عادة لا يجرؤون عليه. وإمّا ان هذه المواقفة الدولية المستجدة هي فعلاً ليست كلمة سر ولا رسالة مشفّرة او غير مشفّرة، وانما من باب التكرار في التعبير عن سياسة منتهجة فيها الجاد وفيها التكتي.

 

لكنّ المطلعين يرون انه من دون تدخّل عربي ودولي سيكون من الصعب ان تولد الحكومة، وهذا التدخل لن يحصل هذه المرة ما لم تؤلف الحكومة الجديدة بالمواصفات،

 

بل بالشروط، التي حددها المجتمع الدولي والمعبّر عنه بالمبادرة الفرنسية وبيانات مجموعة المانحين، وهي حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين التي تدعمها القوى السياسية او لا تدعمها، وهذا معناه انّ المجتمع الدولي يريد للطبقة السياسية اللبنانية التي يحمّلها اللبنانيون مسؤولية الفساد الذي أوصل لبنان الى الانهيار، ان تتنحّى عن السلطة وتترك لحكومة الاختصاصيين ان تنفذ الاصلاحات الانقاذية المرسومة.

 

وهذا امر يدفع البعض الى التساؤل: ماذا لو اعتذر الرئيس المكلف سعد الحريري عن تأليف الحكومة نتيجة الخلافات المستحكمة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وخلفه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من جهة ثانية؟

 

يقول معنيون بالاستحقاق الحكومي في معرض الاجابة عن هذا السؤال ان الحريري لا يبدي حتى الآن اي رغبة في الاعتذار رغم اقتناعه بأن خصومه يريدون له ان يعتذر، بل انهم بتمسّكهم بمطالبهم الحكومية يدفعونه الى الاعتذار لمصلحة خيارات اخرى غيره لرئاسة الحكومة لم يكشفوا عنها بعد…

 

لكنّ فريقاً آخر من السياسيين يقول ان البديل من الحريري في حال اعتذاره لن يكون من نادي رؤساء الحكومة السابقين الذين عبّروا جمعياً وفي مناسبات مختلفة عن انهم ليسوا في وارد ترؤس الحكومة في عهد الرئيس ميشال عون الذي لم يبق من ولايته سوى سنة وسبعة اشهر تقريباً، ولذا سيكون البديل في هذه الحال شخصية من خارج المنظومة السياسية المتهمة بـ»جريمة» الانهيار المرتكبة بحق البلاد والعباد، تتولى تأليف حكومة من الاختصاصيين وغير الحزبيين التزاماً للمبادرة الفرنسية بكل مندرجاتها.

 

ولعل ما يعزّز الكلام عن هذا الخيار الحكومي البديل رئيساً وحكومة هو استمرار الخلاف وانعدام الثقة وتفاقم التعقيد والمماحكات بين الحريري وكل من رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» التي لم ترسو على بَر بعد، فيما البلاد بحاجة الى حكومة امس قبل اليوم، واليوم قبل الغد.

 

واكثر من ذلك، يؤكد البعض انّ الخلافات على تركيبة الحكومة والاحجام فيها وتوزيعتها الوزارية بين ان تكون 6+6+6 (اي 18 وزيراً) ولا ثلث معطّلاً فيها لأحد، او تكون فيها «أثلاث معطلة» أو ان تكون من الاختصاصيين وغير الحزبيين او لا تكون، كل ذلك ربما يخفي وجود ارادة لدى القوى السياسية المعنية بالاستحقاق الحكومي وغير المعنية لتأخير التأليف الحكومي الى فترات زمنية معينة يصبح معها الاهتمام بالاستحقاقات المقبلة من انتخابات نيابية وبلدية ورئاسية هو الهدف قبل اي شيء آخر، خصوصاً أنّ البرنامج الاصلاحي إذا قدّر لأي حكومة ان تنفذه سيأتي على حساب هذه الطبقة السياسية التي أفلست وسقطت وتتحمّل مسؤولية ما آلت اليه البلاد، ويبدو انها تجد ضالتها في السعي الى استعادة المبادرة بتأخير الاصلاحات والذهاب الى الانتخابات في ايار 2021، لعلها بنتائجها تُبعدها عن كأس المحاسبة التي بات الواقع يفرضها بقوة إزاء هول الانهيار الذي تعيشه البلاد نتيجة ما ارتكبته هذه الطبقة من مفاسد.

 

لذلك، هناك من يقول انّ استمرار الخلافات السياسية واعاقة ولادة حكومة الاصلاح المنشودة التي يطالب بها المجتمع الدولي سيفرض عاجلاً ام آجلاً خيار حكومة تترأسها شخصية من خارج الطبقة السياسية وتضم وزراء تكنوقراط، بحيث تكون مهمتها تنفيذ الاصلاحات في موازاة إجراء الانتخابات، وتعمل بمعزل عن القوى السياسية التي سيكون همّها خوض الانتخابات النيابية طامحة لإعادة إنتاج نفسها وحجز موقع لها في السلطة الجديدة التي ستفرزها هذه الانتخابات. ويعتقد كثيرون انّ الخلافات القائمة بين المعنيين بالاستحقاق الحكومي اذا ظلت عصيّة على الحل كما هو باد حتى الآن، سيكون الخروج منها باعتماد خيار حكومة المستقلين برئيسها وأعضائها يتحمّلون المسؤولية الانقاذية ولا يترشح اي منهم للانتخابات، ويكون كل همهم تنفيذ البرنامج الاصلاحي فقط بعيداً عن اي صرف نفوذ لأغراض انتخابية حتى للقوى السياسية التي يمكن ان تتفاعل معهم بشكل او بآخر.