IMLebanon

المستشفيات الحكومية تدقّ ناقوس الخطر: هجرة جماعية

 

تتفاقم معاناة المستشفيات الحكومية في لبنان في ظلّ الأزمة الحاصلة، ورغم دورها الرائد في مواجهة جائحة «كورونا» تبدو اليوم وكأنّها متروكة لمصيرها بين خطر الاقفال حيناً، أو تراجع تقديمات الخدمات الطبيّة والاستشفائية حيناً آخر، أو تحوّلها مجرّد مستوصف لا يجد فيه المرضى ضالتهم من العلاج.

 

معاناة المستشفيات الحكومية لا تتوقّف عند العجز عن تأمين مقوّمات التشغيل، ولا على صعيد نقص المعدّات الطبية والصيانة والتجهيزات اللازمة، بل تصل إلى حد عدم توفير مادة المازوت، في وقت باتت فيه ملاذاً للفقراء والعائلات المستورة، في ظل غلاء الاستشفاء في المستشفيات الخاصة التي «تُقرّش» على الدولار الأميركي.

 

ويبلغ عدد المؤسّسات العامّة التي تتولّى عمل المستشفيات الحكوميّة والعاملة فعليّاً لغاية نهاية العام 2022، 33 مستشفى (27 عاملة منها فعلياً)، ويبلغ عدد العاملين فيها من مستخدمين ومتعاقدين وأجراء بشكل رسمي 5200 موظف، تقدّر قيمة رواتبهم الشهريّة في العام 2017 بنحو 6 مليارات و238 مليون ليرة، أي بمعدّل 1.5 مليون لكلّ عامل. وقد ارتفعت نتيجة زيادات غلاء المعيشة وتلك التي أعطيت إلى موظّفي القطاع العام، ومن ضمنهم العاملون في المستشفيات الحكومية، ليقارب الـ 27.4 مليار ليرة شهرياً، أي نحو 7.15 ملايين ليرة لكلّ موظف، مع الإشارة إلى أنّ هذه الزيادات لم يتقاضاها فعلاً العاملون في عدد كبير من المستشفيات بسبب العجز المالي الذي تعاني منه.

 

وتمتدّ المعاناة إلى الطاقم الطبّي والتمريضي معاً، تدنّت أجورهم ويشكون من عدم قبض الرواتب والحوافز في أوقاتها، ما دفعهم إلى خيارين لا ثالث لهما وأحلاهما مرُّ. الأول: اعلان الاضراب المفتوح حيناً وتنظيم وقفات احتجاجية احياناً للمطالبة بتحسين ظروف عيشهم وتحقيق مطالبهم ودفع رواتبهم والتي لم تمكّنهم في بعض الأوقات من الوصول إلى مركز عملهم. الثاني: إجبار الكثير من الأطباء والممرّضين على الهجرة نحو بلاد الاغتراب بعد حصولهم على فرص عمل أفضل في ظلّ الحاجة إليهم بعد الخسائر البشرية التي لحقت بالقطاع الطبّي العالمي خلال جائحة «كورونا»، وتفوق نسبة الشغور 55%.

 

مطالب العاملين

 

«نداء الوطن» حصلت على نسخة من مذكّرة «الهيئة التأسيسية لنقابة العاملين في المستشفيات الحكومية في لبنان» إلى رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور بلال عبد الله، بعدما زاره وفد من الهيئة في مكتبه في شحيم وفيها:

 

ـ حلّ أزمة تأخّر الرواتب التي يعاني منها موظّفو أكثر من مستشفى حكومي وذلك عبر دعم الرواتب، وللعلم كانت وزارة الصحة قد طلبت من الإدارات تزويدها بجداول الرواتب لتأمين الدعم.

 

ـ دقّ ناقوس الخطر بسبب الاستقالات الكثيرة في صفوف العاملين في المستشفيات الحكومية، وذلك بالعمل على رفع قيمة الرواتب التي لم تعد تكفي حتّى للوصول الى مكان العمل، هذا اذا تمّ قبضها في وقتها.

 

ـ العمل على رفع قيمة بدل النقل اليومي وقيمة المنح المدرسية بما يتناسب مع التدهور المخيف الحاصل بقيمة رواتبنا.

 

ـ العمل على معاملتنا بالمثل لناحية استفادة العاملين في المستشفيات الحكومية من مساعدة شهرية تكون بالدولار الاميركي اسوة بقطاعات عسكرية وتربوية تستفيد بشكل شهري من تلك المساعدات.

 

ـ الضغط باتجاه وزارة الشؤون الاجتماعية لاستفادة موظفي المستشفيات الحكومية من بطاقة الدعم التي تستفيد منها العائلات الأكثر فقراً.

 

ـ العمل مع وزارة الصحة العامة على حلّ موضوع التغطية الصحّية للعاملين وعائلاتهم خاصة وأنّ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يساهم بجزء بسيط من قيمة الفاتورة الاستشفائية.

 

ـ الضغط باتجاه وزارة المال للإفراج عن المستحقّات المالية التي تم تحويلها من وزارة الصحة العامة عن العام 2022 والذي ينعكس ايجاباً تجاه قبض المستحقّات المتأخّرة للعاملين.

 

مستشفى صيدا

 

ومن المذكّرة إلى أرض الواقع، يمثّل مستشفى صيدا الحكومي نموذجاً للمعاناة بين المستشفيات الحكومية، تدنّى عدد الاطباء العاملين فيه إلى 20 حالياً، فيما تراجع عدد الموظفّين من 290 تقريباً إلى 250، 40 منهم تركوا العمل نهائياً، قدموا استقالاتهم، فمنهم من التحق بالمستشفيات الخاصة لأنّ الرواتب أفضل، ومنهم من هاجر إلى الخارج بعقد عمل مسبق أو بحثاً عن عيش كريم، كان فيه 130 سريراً شاغراً والآن لا يتجاوز العدد 40.

 

يكتسب مستشفى صيدا الحكومي أهمّية خاصة، كونه مقصداً لجميع المرضى من لبنانيين وفلسطينيين وحتّى سوريين، من صيدا ومنطقتها مروراً بشرق صيدا ومناطق الجنوب وإقليم الخروب. وافتتح المبنى الجديد في أيلول 2007 برعاية وزير الصحة الأسبق الدكتور محمد جواد خليفة، وتولّى مسؤولية مجلس الادارة الدكتور علي عبد الجواد، ويتولاها حالياً الدكتور احمد الصمدي الذي لا يألو جهداً في تأمين مستلزمات تشغيله كي تبقى أبوابه مفتوحة أمام المرضى.

 

ويتألّف المستشفى من 3 طوابق وأقسام مختلفة أبرزها: العمليات، العناية الفائقة، والأطفال، وكانت قدرته الاستيعابية نحو 130 سريراً، تراجع اليوم إلى 40 بالحدّ الاقصى، زاد عدد الأسرّة العاملة في المستشفى من 30 سريراً في العام 2006 إلى 106 أسرة في العام 2007 ليصبح إجمالي عدد الأسرّة العاملة في المستشفى 130 سريراً في العام 2010، يضاف إليها 9 أسرّة عناية فائقة وعناية قلبية و8 أسرّة عناية فائقة لحديثي الولادة. وتميّز بافتتاح أقسام جديدة لم تكن موجودة في المستشفى القديم، كقسم العناية الفائقة وقسم العناية القلبيّة وقسم العناية الفائقة لحديثي الولادة وقسم العلاج الفيزيائي، غسيل الكلى، إضافة إلى وحدة قسطرة القلب، وصورة رنين مغناطيسي في قسم الأشعة، وفي السنوات الثلاث الاخيرة لعب دوراً محورياً في مواجهة «كورونا»، اذ كان أول من خصّص طابقاً يتضمّن 20 غرفة، منها 12 غرفة لعزل المرضى و8 غرف عادية للمرضى الذين يعانون من العوارض، وجهّز قسم العناية وفيه 8 غرف مع أجهزة تنفّس اصطناعي.

 

غصّة كاعين

 

وبغصّة لا تخلو من حسرة، يقول رئيس لجنة موظفي المستشفى وعضو الهيئة التأسيسية لنقابة العاملين في المستشفيات الحكومية خليل كاعين لـ»نداء الوطن»: «الوضع سيّئ ونعيش المعاناة بذاتها، رواتبنا باتت لا تساوي شيئاً أمام تدهور صرف العملة الوطنية، فهي لا تكفي لأيام من بداية الشهر، فكيف الحال اذا لم نتلقّ رواتب، وكيف الحال إذا أردنا الانتقال الى المستشفى؟ الراتب فعلياً يساوي نحو ثلاث تنكات بنزين فقط». يؤكد كاعين «أنّ الرواتب تضاعفت 3 مرات مثل القطاع العام، كان الحدّ الأدنى 2 مليون فأصبح 6 ملايين، ولكن المشكلة أنّنا لا نتقاضاها في وقتها، حين تُصرف تكون قيمتها قد تراجعت مع الانهيار السريع في الليرة اللبنانية أمام الدولار. الاشكالية تكمن بأن وزارة الصحة توقّع على المستحقّات وتحوّلها إلى وزارة المالية وبسبب الروتين الاداري ولحين تصرف تكون بلا قيمة»، كاشفاً «أننا لم نقبض رواتبنا منذ كانون الاول 2022، اضافة إلى كانون الثاني وشباط 2023، كان الدولار بنحو 30 الف ليرة لبنانية، الآن يناهز المئة الف».

 

لا يخفي «أنّ تأمين المستلزمات الضرورية تستنزف موارد المستشفى المالية، فقسم غسيل الكلى يأكل كلّ المال، لا يمكن ترك المرضى بلا علاج يوماً، هناك نحو 50 مريضاً والوزارة تقدّم جزءاً من التكاليف بينما ندفع الجزء الآخر بالدولار، وحين نقبض ثمن الجلسات تكون بالليرة اللبنانية وقد انعدمت قيمتها ازاء الدولار».

 

وحذّر من كارثة تنتظر المستشفيات الحكومية في لبنان وتكمن في مادة المازوت لتشغيل المولّدات الخاصة مع التقنين القاسي بالتيّار الكهربائي وعدم وجود خط خدمات، فالهبة القطرية بالمازوت للمستشفيات تكاد تنتهي خلال شهر أو شهرين، واذا لم يتم توفير البديل حتماً سنتجّه الى كارثة استشفائية لأنّ لا قدرة لاي مستشفى على دفع ثمن المازوت وحده، فكيف بالخدمات الأخرى؟ وعزا كاعين سبب غياب الاعتصامات او التظاهرات للمطالبة بالحقوق المشروعة «إلى كلفتها المادية، لجهة التنقّل وبعض مستلزمات الحراك الاحتجاجي مثل طباعة اللافتات أو الكتابة على «كراتين»، وكلها مكلفة، ونفضّل الوصول الى مركز عملنا قبل كلّ شيء، لأنّ المرضى أمانة ولا يمكن تركهم يواجهون خطر الموت، نحن نختلف عن باقي الإدارات الرسمية أنّها تقفل ويلازم الموظفون منازلهم الى حين تحقيق مطالبهم كما يحصل اليوم، نحن لا نستطيع ذلك».