IMLebanon

خطورة قبول لبنان الهبة الإيرانية

أسعد بشارة

ذهبَ وزير الدفاع الوطني سمير مقبل إلى طهران، وبدا أنّ طابع الزيارة كان أقرب إلى الرحلة السياحية. فالهبة الإيرانية للجيش اللبناني، لم تدخل يوماً في خانة الكلام الجدّي، أمّا الآن وبعدما استفاقت إيران على الهبة، إثر تقديم السعودية 4 مليارات دولار للجيش، فإنّ مصيرَها الحتمي سيبقى خاضعاً لاعتبارات داخلية وخارجية، تُرجّح رفضَها مع الشكر.

في قصّة هذه الهبة التي يحتار البعض في وصفها تأرجحاً بالهدية، أو بتقدمة متواضعة، أنّها لم تكن يوماً إلّا عرضاً بتعاون عسكري مموّه، لا يزيد عن أكثر من عشرين اتفاقية تعاون تقليدية بين لبنان وعدد من الدول، ولا يزيد مضمونها عن بعض مراسلات تبادل الخبرات، وتبادل النيّات الروتينية بالتعاون.

لم يطرح الإيرانيون يوماً، كما أكّد أكثر من مسؤول لبناني، أبرزُهم الرئيس السابق ميشال سليمان، أيّ مشروع لهبات حقيقية. كلّ ما طرحوه كان عبارة عن تعاون عسكري.

أمّا اليوم وبعد زيارة أمین المجلس الأعلی للأمن القومي الإيراني علي شمخاني لبيروت، وإبداء الاستعداد الرسمي لتقديم الهبة، أصبح لزاماً على الحكومة اللبنانية أن تقبل أو ترفض هذه الهبة، علماً أنّ لائحة الهبة التي نشرَها أحد المواقع الالكترونية المؤيّدة لـ«حزب الله»، تدعو الى الاستغراب، والتساؤل: هل الهبة الايرانية تقتصر على بعض مئات القذائف، وعشرات الصواريخ المضادة للدروع، وهل تكفي لمعركة لساعات؟

بالطبع على إيران أن ترسل رسمياً لائحة مفصَّلة بهذه الهبة، وقبولها لا يمكن أن يتمّ فقط في مجلس الوزراء، بل بعد الاستماع الى رأي قيادة الجيش، في اعتبار أنّ المؤسسة العسكرية هي التي تعرف ماذا تحتاج، وهي التي ستتحمَّل مسؤولية استيعاب السلاح ضمن منظومتها العسكرية، لجهة ملاءمته مع ما تمتلك من معدّات وتجهيزات وأنماط التدريب.

لهذه الاعتبارات لا يمكن أن تخرج الهبة الايرانية عن حسابات الربح والخسارة بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية والمؤسسة العسكرية على حدّ سواء. هذه الهبة ستُظلَم بالتأكيد اذا ما قورنت بالهبة السعودية (4 مليارات دولار). فسواء أكانت اللائحة التي نُشرت صحيحة أم لا، فإنّه في مقابل هذه الهبة، سيتأثر موقف المملكة سلباً، وهي المعتادة على تقديم هبات كبيرة إلى المؤسسات العسكرية والأمنية.

وإضافةً إلى ذلك، فإنّ لبنان سيتعرّض إذا ما قَبِل هذه الهبة، لعقوبات محتملة، ناتجة عن قرار الامم المتحدة، بمنع «توريد» شحنات سلاح من إيران تحت طائلة العقوبات.

لا ينفع في رأي سياسيّ عتيق الالتفافُ على عبارة «توريد»، واعتبار أنّه لا تنطبق عليها صفة الهبة، ويدعو في هذا الإطار الحكومة اللبنانية، زيادةً في الاطمئنان، إلى الطلب من الأمم المتحدة تفسير القرار الدولي في حقّ إيران، والتأكّد من أنّ هذه الهبة لا تُعرّض لبنان في حال قبلها، لأيّ عقوبات، وعندما يأتي جواب الامم المتحدة، تتَّخذ الحكومة قرارها الملائم.

الكلام عن عقوبات دولية لا يقتصر على الأمم المتحدة. فعلى الحكومة أيضاً درس موقف الولايات المتحدة الأميركية، التي تساعد الجيش منذ عشرات السنين بمبلغ سنويّ يقارب المئة مليون دولار. هذه المساعدة السنوية كاد الجيش يخسرها بعد حادثة العديسة، حيث اتّهم بعض النواب الاميركيين في الكونغرس الجيش بالتنسيق مع «حزب الله»، وكاد الكونغرس يُصوّت على قرار وقفِها.

واليوم لا يستبعد أحد أن تُهدّد الحكومة الاميركية بوقف هذه المساعدات السنوية، في حال قبول الهبة الايرانية، وهذا يُشكّل خسارةً كبيرة للمؤسسة العسكرية التي تعتمد على هذه المساعدات لضمان إقفال الفجوات في التدريب والتسليح.

أمام خريطة الأرباح والخسائر هذه، لن يُصوّت مجلس الوزراء على قبول الهبة الايرانية، التي ستكون سبباً لخسائر كبيرة، أمّا «حزب الله» وفريقه، فسيشنّ معركة تحت عنوان أنّ قوى «14 آذار» تمنع تسليح الجيش، متجاهلين عن قصد أنّ هذه الهبة، ستضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي، وستُجرّده من إمكانات كبيرة توفّر للمؤسسة العسكرية ما تحتاجه في معركته لحفظ الاستقرار.