IMLebanon

الخيارات الخليجية إذا تجاوزت أميركا القطيعة مع إيران

 

يصل الى طهران اليوم رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، حيث سيجتمع فور وصوله بالرئيس حسن روحاني، وسيلتقي المرشد علي خامنئي في اليوم التالي، وذلك في محاولة للتوسط بين إيران والولايات المتحدة من اجل حلحلة الأزمة القائمة بين البلدين والتي بدأت مع قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي. شهدت الأزمة تصعيداً مستمراً بفعل القرارات الأميركية المتتالية بفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية القاسية جداً ضد ايران الى أن بلغت ذروتها من خلال القرار الأميركي بتحريك قوة بحرية وجوية الى منطقة الخليج، بحجة ردع ايران عن القيام باعتداءات، حضّرت لها، ضد القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة.

 

تأتي زيارة آبي الى طهران كنتيجة مباشرة لزيارة ترامب لليابان الشهر الماضي، وتوافقهما على قيام رئيس الوزراء بزيارة وساطة لطهران، تهدف الى تشجيع القيادة الإيرانية على الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة من اجل حل الخلافات القائمة بين البلدين، وبالتالي التوصل الى اتفاق نووي جديد، مقابل رفع كامل العقوبات الأميركية المفروضة ضد إيران.

 

تنطلق الوساطة اليابانية من أرضية صلبة، حيث يحظى رئيس الوزراء بثقة كاملة من الرئيس ترامب، حيث تنامت وشائج الصداقة بين الرئيسين منذ وصول ترامب الى البيت الأبيض، كما ترتبط اليابان مع إيران بعلاقات ديبلوماسية عميقة، تعود الى أكثر من تسعين سنة من الصداقة والتفاعل التجاري الكبير بينهما، والذي استمر في ظل الجمهورية الإسلامية. ويرى الخبير في مركز ويلسون في واشنطن توشيهرو ناكاياما بأن «هذه المبادرة الجريئة هي ثمرة العلاقة الشخصية والثقة» بين ترامب وآبي، يضاف الى ذلك وجود مصلحة استراتيجية لليابان في عودة الاستقرار وابعاد شبح المواجهة العسكرية عن المنطقة واستمرار تدفق النفط اللازم لصناعاتها، وبالتالي استئناف استيراد النفط الإيراني الذي توقف تحت تأثير نظام العقوبات الأميركي.

 

يبدو بأن توقيت زيارة المسؤول الياباني، يأتي في ظل أجواء التصعيد التي باتت تهدد بشكل جدي الأمن والاستقرار في منطقة الخليج على حد توصيف وزير الخارجية الألماني بعد زيارته لطهران واجتماعه بالوزير محمد جواد ظريف.

 

لكن، وبالرغم من أهمية الزيارة والمبادرة الجريئة التي يقوم بها آبي، فإنه لا يمكن توقع أن تؤدي الى بحث إمكانية فتح مفاوضات مباشرة، وبشروط مقبولة بين القيادتين الأميركية والإيرانية، ليس لدى آبي اية ضمانات يقدمها للإيرانيين.

 

تؤشر المهمة التي يضطلع بها الزائر الياباني في طهران، وبتكليف مباشر من ترامب الى ان هذا الأخير لا يرغب في البقاء اسيراً للخيارات السعودية والإماراتية من جهة، أو البقاء غارقاً في وحول الحرب في أفغانستان من جهة ثانية، وبأنه لا بد من البحث عن مخارج لأزمة العلاقات العدائية القائمة مع إيران منذ عام 1979، والتي باتت تنذر في ظل التصعيد الراهن بحصول مواجهة عسكرية مدمرة للمنطقة لا يريدها الطرفان الأميركي والإيراني.

 

يطرح احتمال ان تثمر المبادرة اليابانية الجريئة، فتح الطريق لمفاوضات مباشرة بين واشنطن وطهران تساؤلات عديدة حول البدائل العربية لاحتواء تمدد الهيمنة الإيرانية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، في ظل تراجع القرار الأميركي على المشاركة وإدارة عملية الاحتواء من خلال سياسة العقوبات وزيادة الحشد العسكري الأميركي في المنطقة.

 

يبدو لي من مراجعة مختلف المواقف الخليجية ومما دار في قمم مكة الثلاث، ومن تعليقات وتحليلات الخبراء ووسائل الاعلام بأن القيادات العربية تراهن كلياً على تعهدات ترامب بمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية وبالحد من اندفاعتها واندفاعة عملائها للهيمنة على المنطقة. في ظل الظروف الدولية والإقليمية الراهنة، وخصوصاً في ظل الأجواء لتحضير معركة رئاسية ثانية لتجديد ولاية ترامب لا يمكن الوثوق بالالتزامات الأميركية لاحتواء إيران، وتغيير موازين القوى لتصب في صالح الدول الخليجية.

 

لا بد ان تدرك الدول الخليجية بأن استمرار السياسة العدوانية التي يعتمدها ترامب ستدفع إيران لقبول واحد من خيارين: القبول بالاختناق الاقتصادي بانتظار حصول ثورة اجتماعية في داخلها، أو اعتماد التعاون مع عدد من الدول، وعلى رأسها روسيا وبالتالي فتح المجال للتعاون معها في شتى المجالات الاستراتيجية والاقتصادية. وسيشكل الخيار الثاني خسارة كبيرة للولايات المتحدة على مستوى الجيوبولتيك الإقليمي، وعلى المستوى الاقتصادي. من هنا لا يمكن ان تبقى إدارة ترامب أسيرة هذه القطيعة الراهنة، وتقبل الخسائر المترتبة عليها، وخصوصاً ما يعود لتقدم موقع روسيا الإقليمي.

 

من المؤكد ان موسكو تخشى حصول مصالحة بين واشنطن وطهران، كما تخشى ان تفقد القيادة الإيرانية صبرها وان تقدم على خطوة الاختيار بين الاستسلام للشروط الأميركية وبين استئناف برنامجها النووي للحصول على القنبلة. وانطلاقا من هذه الهواجس فإنه من الطبيعي ان تسعى موسكو للتخريب على أي تقارب أميركي – إيراني وذلك ضمن مساعيها للاستفادة من تأزم العلاقات المستمر منذ عام 1979، وستكون موسكو مستعدة بالتالي للتحوّل الى خصم منافس لأميركا في الشرق الأوسط، وتحديداً في سوقي الطاقة والسلاح.

 

تراقب موسكو عن كثب كل المحاولات الأميركية لفتح نافذة في العلاقات مع ايران وذلك انطلاقاً من ادراكها لحجم الخسائر التي ستمنى بها على صعيد الجيوبولتيك الإقليمي، بعد ان تحولت الى لاعب إقليمي أساسي من خلال استغلال موقعها القوي في سوريا والشراكة التي نسجتها مع اللاعبين الإقليميين الكبيرين في الازمة السورية وهما تركيا وايران.

 

من الطبيعي ان تسعى واشنطن الى وقف خسائرها المترتبة على هذه القطيعة المستمرة مع طهران منذ أربعة عقود، وان تبذل قصارى جهدها لمنع روسيا من مضاعفة مكاسبها من خلال استغلال هذا العداء لكن ذلك يطرح إشكالية كبيرة حول الالتزام الذي قدمته واشنطن الى حلفائها العرب للحد من الطموحات النووية الإيرانية ووقف اندفاعها نحو تحقيق مزيد من الهيمنة الإقليمية. تطرح هذه الإشكالية السؤال عن مدى إدراك القيادات العربية وخصوصاً الخليجية للمخاطر والصعوبات التي سيواجهونها في حال حصول انفتاح أميركي على إيران؟ وما هي الخيارات التي سيعتمدونها لمواجهة المد الإيراني بوسائلهم الخاصة ومنفردين؟ نحن امام مرحلة جديدة، إذا ما نجحت الوساطة اليابانية، وهي تتطلب المزيد من الحذر والتبصّر، من اجل وضع استراتيجية فاعلة تحقق الأمن الخليجي.