IMLebanon

غوتيرس: المُحذّر المنذِرْ

 

الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيرس، كان ضيفا «غير شكل» على لبنان وهو منذ هبوط طائرته في مطار بيروت، قد حدد وجوده على هذه الأرض المنكوبة والمنهوبة والمغلوبة، أرضا وشعبا ومؤسسات، بأنه زيارة للشعب اللبناني، وهو طوال أيام زيارته، وعلى مدى النشاطات المنتقاة بعناية وتصويب وبسابق تصور وتصميم، قد تلمّس الإلتصاق بالمواقع المرتبطة بالناس وبجذور هذا الوطن المنكوب وآلام ومعاناة شعبه المقهور، متعمدا زيارة موقع «المأساة النووية» التي طاولت بيروت فأوقعت فيها الموت والخراب والدمار ومحت من الوجود مساحات شاسعة من أرجائها الشعبية والإنسانية والتراثية، وداعية من باتوا ممسكين بعنان السلطة والتسلّط إلى أن يتصرّفوا باستحقاق وقدرة على القيادة السليمة الخالية من كل العيوب والمقالب التي يزخر بها وجودهم في موقع الحكام.

 

الزائر الكبير لهذا البلد المنكوب… أطلّ على الشعب اللبناني برداء المسؤول الدولي الممسك بوجه جديد بخيوط المسؤولية الديبلوماسية والسياسية بستوياتها المستجدة، وكأني به وبلقاءاته وتصريحاته وزياراته الهادفة لمحو آثار الثقوب والعيوب القيادية المتمترسة خلف ركائز الخارج «وأكله وشربه وسلاحه وكل مقومات الإمساك بمفاصل السلطة فيه… وكأني به بالتالي، قد جاء إلينا وفي جعبته ملابس عسكرية قاسية الموقف والحديث الصارم، ومتناغمة مع مواقع ومواقف وتوجهات المجتمعْين الدولي والعربي، ولنا في هذه الزيارة بعضٌ من صدى الموقف السعودي-الفرنسي ولقاء قمة جدّة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي ماكرون، المتآلف إلى حد بعيد مع مواقف الدول الأوروبية ومع كثير من مواقع الدعم والقوة التي تحفل بها مواقع دولية عديدة متمركزة في مؤسسات الأمم المتحدة وملحقاتها.

 

غوتيرس، كان بيننا في الأيام التي حلّت، وفي فمه أقوال ومواقف لم تصدر عنه بعلنية ووضوح حتى الآن وإن كانت قد وردت في إطار كثير من التلميحات غير المباشرة الصادرة عنه في لبنان وأبرزها ما صرّح به في نهاية زيارته عبرت عنه مصادر إعلامية دولية وإقليمية، وعديد من وسائل الإعلام، خاصة منها تلك المتبناة من وسائل إعلامية ذات وقع دولي شامل، وهي تكاد أن تطل علينا في هذه الفترة الزمنية العصيبة، من إطارات التهديد والوعيد، بإيقاع عقوبات دولية هامة تتناول زعماء بارزين في هذا البلد المنكوب بهم وبنتائج تصرفاتهم الخرقاء، وإن القوى المتوجهة إلى إحداثها تستجمع في دواعي فرضها، جملة من تصرفات الفساد والنهب والسلب وتحوير هذا البلد من واحات حضارية وإنسانية إلى موقع «جهنمي» في تخلفه وهبوطه لأدنى درجات الفقر و»التعتير» والتخلف إلى درجات أذهلت العالم كله في الوقت نفسه والذي لم يلتفت إليها اهتمام مسؤولينا الأكارم، فأداروا آذان الطرش الشديد إلى واقع يعبق بدوي القنابل الإنسانية التي مهما اشتد وقعها ودويها، فهي ما زالت حتى الآن، لا تحظى من المتحكمين بشؤون البلاد والعباد بأي اهتمام وأي محاولات لرأب ما تحطم من ركائز هذا الوطن وقواعده التي انقلبت إلى جملة من الوقائع السلبية المذهلة والمرشحة بصورة منفتحة على الغارب، لتطورات تفوقها عمقا وخطرا وتناولا لجروح الناس وآلامهم التي باتت مآسيها تلامس الأغلبية الكاسحة من اللبنانيين، خصوصا أولئك الذين لم يحالفهم «حظ» الهجرة بأي جهد وأي ثمن، إلى بلاد الله الواسعة، وأولئك «المحظوظون»، الذين تمكنوا بشتى السبل والأساليب، من الوصول إلى بلادٍ كانت ترحب مأمثالهم القادمين من لبنان… الأخضر الحلو والمتباهي بتقدمه في دنيا العلم والثقافة والفن والأدب وشتى صنوف الحياة المتفوقة، إذا بالكثير منها يستغل أولئك المهاجرين الجدد إلى حياة كريمة تؤمن لهم اللقمة الحلال والحد الأدنى من العيش الكريم وتصون أولادهم من مستقبل قاتم يموت فيه الإنسان في عتمة البطالة والجوع وهزال التعليم المستجد ووطأة الأقساط المدرسية وفقدان الدواء وأماكن العلاج وصعوبة إيجادها وتأمين كلفتها الباهظة، ومع كل هذه الظروف الرهيبة في قساوتها، يبقى أمام اللبناني فسحة من أجواء طائر الفنيق السابحة في أحلام اللبنانيين وآمالهم المتمازجة بين الواقع المرّ والخيال الحالم في إطاره، المتمثل بالقول المأثور: ما بين طرفة عين واختلاجتها، يغير الله من حال إلى حال، ولعل في طليعة ما يدخل في إطار مهمة غوتيرس في لبنان المنكوب والمنهوب تطوعه بل الدفع به إلى لعب دور الوسيط لحلِّ معضلة المفاوضات الحاصلة في إطارات مختلفة بصدد التنقيب عن الغاز والنفط والتي تنغمس حتى الآن في صلب الإستغلال الإسرائيلي وتترجم في إطارات التخبط بين مواقف الزعامات اللبنانية المتناقضة والتي تكاد أن تضيّع على لبنان واللبنانيين كل فرص النهوض الإقتصادي بهذا البلد المنهوب. فهل يتمكن غوتيرس من إقناع هؤلاء المتخبطين في الجهل والفساد ومن اقناعهم بأن ينظروا أولا وأخيرا إلى مصلحة البلاد والعباد وإقالتها من عثراتها الزاحفة إلى أعمق أعماق مهاوي التفاقم.