IMLebanon

الحريري وتيّاره في مواجهة أصوليَّتين

ربما يكون الرئيس سعد الحريري الزعيم العربي والاسلامي الأبرز والأول الذي رسم طريقاً واضحاً للتعامل مع ما يجري في المنطقة، من صراع بدأ على شكل انتفاضة حرية، فتحوّل في بلدان كسوريا والعراق واليمن الى مواجهة مذهبية، ساهمت إيران بتأجيجها، بدعمها نظام الاسد في سوريا، وبتمسّكها بحكومة المالكي في العراق، وبدعمها حركة الحوثي في اليمن، التي نفّذت ما يشبه السابع من أيار في صنعاء.

وبغضّ النظر عن الشجاعة الاستثنائية التي تمثلت في المواقف التي أطلقها الحريري في البيال، فإنّ قراءة متمعّنة في هذا الخطاب تعطيه طابع الوثيقة المؤسسة لمرحلة جديدة من الخطاب الاسلامي الليبرالي، الذي سيكون في المَديين القصير والبعيد بمواجهة أصوليتين تتغذيان من الصراع المذهبي، إحداهما تسعى لأن تقود ما تسمّيه حرباً ضد الارهاب مستنسخة المعادلة الاميركية والغربية حرفياً، والثانية تنمو في هذه المواجهة ساعية الى قضم الاسلام الليبرالي، وإزاحته من المشهد، وسيؤدي ذلك في حال نجاحها الى استمرار المواجهة الدموية المذهبية لعشرات السنوات.

ليس من قبيل المبالغة اعتبار انّ خطاب البيال هو إبن التجربة اللبنانية، فهذه التجربة أنضجَت الكثير من المفاهيم الجديدة التي باتت حاجة للمنطقة وربما للعالم، أبرزها تجربة العيش المشترك، الذي يقلّص حالات التطرف ويحاصرها، والذي يضع الجماعات الدينية في قالب متفاعل، هو أشبه بنموذج سوف يُحتذى في أوروبا المأزومة بفِعل تعاظم موجة الإسلاموفوبيا، وأزمة الاندماج داخل المجتمعات الاوروبية، كما يفترض أن يحتذى في البلدان العربية التي تتشَكّل من تعدد ديني ومذهبي وعرقي.

في التطبيق العملي لهذا الخطاب صعوبات شتى، ومخاطر أكيدة، فهي رحلة محفوفة بالمخاطر نظراً لأنّ مسارها يقع بين طرفين عدوّين شكلاً، متّفقين ضمناً على قواعد المواجهة، التي تعني إلغاء كل حالات الاعتدال، وما جرى في سوريا شاهد على ذلك حيث تمّت تصفية الثورة السلمية وتشجيع ولادة الحالات المتطرفة، كما انّ ما جرى في العراق يشهد على ذلك أيضاً حيث تمّت تصفية الصحوات السنية التي قَضَت على القاعدة، ما أعاد إنتاج تنظيم داعش، وكذلك الأمر في اليمن الذي تمّ القضاء فيه على أبرز قوى الثورة اليمنية، ليصبح المشهد مختصراً على صراع دموي آتٍ بين الحوثيين وتنظيم القاعدة.

وسط هذا التقابل الحاد بين أصوليتين تسعيان الى إمساك زمام المبادرة من الجهتين، هل ما زال هناك مجال للحفاظ على الخط الذي رسمه سعد الحريري، وهو خط الاسلام الليبرالي المعتدل في لبنان والمنطقة، وهل انّ أكثرية المسلمين التي تؤيّد هذا الخط في مواجهة الأصوليتين، قادرة على توليد تيّار يمتلك مقومات المواجهة، وهو التيار نفسه الذي صنع الربيع العربي، ففاز في تونس وتعثّر في ليبيا، وتأرجح في مصر، وأغرق في سوريا، بحرب مذهبية صنعتها إيران؟

اذا كان لا يمكن اعتبار أنّ سعد الحريري هو الصوت الاسلامي والعربي الوحيد الذي بدأ هذه المواجهة، وحَدّدها بوضوح، لأنّ مواقف سبقت ما قاله، صدرت عن المملكة العربية السعودية التي صَنّفت النصرة وداعش تنظيمين إرهابيين، كما صدرت عن المرجعيات الدينية كالأزهر الذي حدد الموقف واضحاً من إسلاميي التكفير، هذا إضافة الى اصوات عشرات النخب العربية والاسلامية التي قالت كلمتها في هذا الاطار، فإنّ موقف الحريري يكتسب أهمية كبرى، باعتباره يحظى بثقة التمثيل الواضح، فاعتداله تأكّد في صناديق الانتخاب، ولم يَنله بانقلاب أو بطريقة قسرية، ولموقفه القدرة على تشكيل دينامية عربية، من مصر الى المملكة العربية السعودية الى دول المغرب العربي، التي تقف جميعها أمام استحقاق كيفية مواجهة موجة العنف والفوضى في المنطقة.