IMLebanon

الحريري وجنبلاط معاً في «الكابوس»!

يكون النائب وليد جنبلاط مظلوماً عندما يتمّ تصويره «المقاتل الوحيد» من أجل قانون الـ60. الأرجح أنّ الرئيس سعد الحريري لا يقلّ حماسةً منه لهذا القانون. بل إنّ معركة جنبلاط المكشوفة ضدّ النسبية هي في الواقع معركة الحريري المستورة. والفارق بين الرَجلين هو أنّ الأوّل يمتلك هامش المناورة، فيما الثاني مأسور بلعبة الحكم و»صفقة»31 تشرين الأوّل.

سيَمضي جنبلاط تصعيداً في موقفه من الـ60. وبذلك سيوفّر للحريري ورقةً يلعبها لتعطيل المشاريع «الملوَّثة» بالنسبية التي تغصّ بها طاولة النقاش في اللجنة الرباعية.

وليس الحريري مضطراً إلى النزول مباشرةً في معركة الدفاع عن قانون الـ60، لأنّ ذلك سيضعه مباشرةً في مواجهة الرئيس ميشال عون. ولهذا الأمر محاذيرُه الكبرى.

إذاً، فليقُم جنبلاط بالمهمّة، فيما يكتفي الحريري بموقفه الداعم: «القانون الجديد مرشّح للعيش عشرات السنين. لذلك، يجب أن لا يثير مخاوف أيّ مكوِّن سياسي أو طائفي». وليس على الحريري أن يغامر بـ«الصفقة» المعقودة مع عون، إلّا إذا ازدادت الضغوط على جنبلاط واضطرّته إلى التراجع.

مشكلة الحريري مع النسبية هي في أنّ الساحة السنّية مشرّعة للتيارات كافّة، خلافاً للطائفة الشيعية المحصورة التمثيل إلى حدّ بعيد. وقد أظهرَت الوقائع خلال غياب الحريري عن لبنان ظواهرُ شعبية أقلقَته، على 4 مستويات:

1- القوى السنّية المناوئة تقليدياً، التي يدعمها «حزب الله».

2- القوى السنّية الأكثر تشدُّداً من «المستقبل» سياسياً، الرافضة التسويات القائمة، وأبرزها اللواء أشرف ريفي.

3- القواعد السنّية التي استهوَتها السلفيّات.

4- السنّة المتعاطفون مع الحراك المدني.

وأظهرت تجربة الانتخابات البلدية الأخيرة أنّ الأمر ليس «مزحة»، وأنّ «الانضباط» السياسي السنّي تراجَع بنسَب واضحة خارج إطار «المستقبل» أو على هوامشه، في فترة غياب الحريري.

من مصلحة «حزب الله» وحلفائه الإبقاء على تمثيل للرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي وزعامة آل كرامي في طرابلس، وعبد الرحيم مراد في البقاع الغربي، وأسامة سعد في صيدا، وآخرين في عكّار ومناطق أخرى. وهو يفضّل القانون الذي يَصون التنوّع السنّي.

ولكن، تتقاطع كلّ المصالح لإضعاف ظاهرة ريفي. وكذلك، ستتحالف القوى السياسية لقطعِ الطريق على طموحات الحراك المدني الذي كاد يخطف التمثيل البلدي في بيروت لو جرى اعتماد النسبية. لكنّ العمل الدؤوب يستهدف إخماد أيّ نموّ للجماعات المتطرفة دينياً. فهذه مصلحة «المستقبل» وسائر الآخرين، وهدف دوليّ مطلوب.

وهكذا، يدرك الحريري أنّ هناك خطوطاً يتقاطع فيها مع خصومه في ملف الانتخابات. فهؤلاء بارَكوا عودته ويسهّلون له استعادةَ زمام الأمور ضمن الطائفة… ولكن بعد حفظِ موقع الحلفاء. وقانون الانتخابات العتيد ستكون مهمَّته حسم النِسَب التي سيتمّ تقاسُمها بين الحريري وهؤلاء في داخل الطائفة.

لا يثور الحريري على قانون مختلط بين النسبي والأكثري، لكنّه في العمق ينام على «طبّة» الـ60 الذي يضمن له اليوم التكتّلَ النيابي الأوسع في المجلس، والمتنوّع طائفياً، خصوصاً إذا تحالفَ مع عون وجعجع وجنبلاط. ولذلك، هو لا يرغب في قطعِ الشَعرة مع أحد. ويبدو مطمئنّاً إلى أنّ تصعيد جنبلاط سيؤدي غايتَه في إحباط أيّ مشروع، وذلك سيَفتح الباب لتأجيل تقنيّ للمجلس يمتدّ أشهراً تحت عنوان «البحث عن القانون».

وهنا يبدو الحريري أكثرَ ارتياحاً. فالبعض يعتقد أنّ أزمته ليست فقط في القانون، بين النسبي والأكثري، بل أيضاً في توقيت الانتخابات. فالجميع كان يجهِّز نفسَه للانتخابات ويتفرَّغ للتفاعل مع الجماهير والقواعد الشعبية وتنظيم الصفوف، على مدى سنوات، فيما الحريري غائب عن لبنان، والساحة السنّية مفتوحة على التجاذبات بتأثير معادلات الحرب في سوريا.

اليوم عاد الحريري إلى السراي الحكومي، ولكن لم تكتمل قدرته على خوض انتخابات نيابية كما يشتهي، أو كما هو معروف عن تيار «المستقبل» في خوضه المعارك الانتخابية. وينشغل بانتخابات التيار الداخلية وتنظيم البيت ولملمةِ صفوف الطائفة.

لم يعُد الحريري يمتلك الطاقات التي تَمتّع بها والده الرئيس رفيق الحريري والتي أتاحت له «اجتياحات» شعبية في الانتخابات النيابية والبلدية. ولم يعُد سعد الحريري يمتلك حتى الطاقات التي سَمحت له، هو نفسه، بوراثة الزعامة في 2005، مشفوعةً بعاصفة من التعاطف الشعبي.

البعض يسأل: «لو جرت الانتخابات اليوم وفقَ قانون الـ60، هل سيَضمن الحريري تحصيلَ النتائج التي يريدها من معارك طرابلس وبيروت وعكّار وإقليم الخروب والبقاع الغربي، إذا سلَّمنا أنّ معقلَ آل الحريري في صيدا محفوظ لهم؟

الأرجح، في اعتقاد البعض، أنّ الحريري سيَحظى بدعم لمواجهة ريفي والحراك المدني والمجموعات المتشدّدة دينياً، لأنّ خصومه في الداخل لهم مصلحة في ذلك. وأمّا القوى السياسية الحليفة لدمشق فمطلوب أن يكون لها دور داخل الطائفة. وهذا «بيت القصيد» بالنسبة إلى خصوم الحريري، وهو هدف أساسيّ يريدونه بقانون الانتخاب.

إذاً، خيار الحريري المفضَّل هو التأجيل التقني… لـ»استيلاد» تيار «المستقبل» مجدّداً، لا فقط لاستيلاد قانون انتخابات جديد. وهذا الأمر يقترب شيئاً فشيئاً. فالحريري يحتاج إلى أشهر أُخرى من «السماح» لتحضير أرضية المعارك الانتخابية. وهذا من حقِّه سياسياً، وهو لا يتحمَّل المسؤولية عن ذلك، بل تتحمَّلها القوى التي كانت وراء استضعاف «المستقبل» وإبعاد الحريري في الفترة السابقة.

أيام قليلة ويقوم «المستقبل»، من خلال وزير الداخلية نهاد المشنوق، بوضع الجميع أمام مسؤولياتهم: تعالوا إلى الـ60 في أيار وإلّا فليدبِّر كلّ منكم رأسَه! وفي الحالين، إبتعَد «كابوس» النسبية… نسبياً، ومرحليّاً على الأقلّ…