IMLebanon

عداء الحريري – باسيل يُسقط الدولة ويفكك الوطن

 

بالرغم من انه بات واضحاً للجميع، حتى للمواطن العادي، مستوى الاهتراء السياسي الداخلي، ما زال بعض اللبنانيين من النخب المثقفة والاعلامية يجنح إلى ربط استعصاء التوافق على تشكيل الحكومة بالأزمات والضغوط الخارجية.

 

يبادر بعض جهابذة السياسة إلى ربط ازمة تشكيل الحكومة بالقطيعة الحاصلة بين ولي العهد السعودي والرئيس المكلف سعد الحريري، وللتدليل على صدقية معلوماته، فيذهب هؤلاء إلى ربط أسفار الحريري إلى الخارج من اجل طلب وساطة الاصدقاء الخليجيين والدوليين لوصل ما انقطع من ود مع الرياض، بينما تذهب فئة اخرى منهم إلى ربط موعد تشكيل الحكومة بقرار ايراني، لم يحن بعد وقته، وذلك بانتظار نجاح المفاوضات النووية الجارية في فيينا، من اجل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع ايران، والذي سيؤدي حتماً إلى رفع نظام العقوبات الأميركي ضد طهران. ويذهب هؤلاء إلى تبرير هذا الربط من خلال اعتبار لبنان ورقة رابحة في يد المفاوض الايراني، وبأن استمرار الأزمة السياسية الراهنة يشكل ورقة ضاغطة على الولايات المتحدة وعلى الدول الأوروبية المشاركة في المفاوضات وخصوصاً على فرنسا.

 

ويذهب فريق ثالث من المجتهدين السياسيين إلى ربط تعقيدات ازمة تشكيل الحكومة بانتهاء المفاوضات السعودية – السورية، والتقارب المصري – السوري، او بالصراع الذي تخوضه قوى محور المقاومة والممانعة على عدة جبهات تمتد من اليمن إلى العراق وغزة، مع امكانية وصوله إلى جنوب لبنان، مع امكانية تهيئة الأجواء لمواجهة اسرائيلية مع حزب الله.

 

ولن نتفاجأ اذا بادرنا بعض النجباء من المحللين بربط ازمة تشكيل الحكومة بالاستراتيجية الدولية الشاملة، وصولاً إلى اهداف موسكو لتوسيع نفوذها وخدمة مصالحها الكبرى لتشمل لبنان ودولاً اخرى في شرق المتوسط، حيث تطمع موسكو بأن تكون لاعباً اساسياً في مشاريع النفط والغاز، وفي الكارتل الاقليمي لتسويقه، وبشكل لا يضر بمشاريع روسيا لاستمرار سيطرتها على الاسواق الأوروبية. ويقدم لك هؤلاء المحللون الزيارات التي قام بها بعض اللاعبين الأساسيين في تشكيل الحكومة إلى موسكو وعلى رأسهم سعد الحريري، وجبران باسيل، واخيراً وليد جنبلاط، بالاضافة إلى الاجتماعات التي عقدها وزير الخارجية سيرغي لافروف مع مسؤولين لبنانيين خارج روسيا.

 

ولا يمكن ان ينسى عدد من المنظّرين الاستراتيجيين تدخل الصين الهادئ في الأزمة، وخصوصاً لجهة ربط لبنان بمشاريع التوسع الصيني باتجاه المنطقة، قبل وبعد الاتفاق الطويل الأمد بين بكين وطهران. ويستشهد هؤلاء على هذه العلاقة الصينية بالأزمة الحكومية انطلاقاً من الدعوات المكشوفة والمكررة التي طرحها امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لتوجه السلطة اللبنانية في خياراتها نحو الشرق، وصولاً إلى ادانة المسؤولين اللبنانيين لتقصيرهم في قبول مشروع استثماري قدمته الصين للبنان يقدر بـ12 مليار دولار اميركي.

 

وهكذا يستمر جهابذة السياسة والمحللون الاستراتيجيون، وما اكثرهم في هذه الأيام السوداء، في تقييمهم للبحث عن اسباب الأزمة، واستفاضتهم في سرد وتوصيف نتائجها، وذلك بالرغم من الخطاب الأخير الذي طلب فيه السيد نصر الله من الرئيس بري المبادرة إلى بذل جهوده لايجاد المخارج الممكنة لمأزق تشكيل الحكومة، حيث جرى تكليف «الخليلين» باجراء العمليات الاستطلاعية لدى كل من سعد الحريري وجبران باسيل لحل عقدة تسمية الوزيرين المسيحيين لتولي وزارتي الداخلية والعدل.

 

نعم، نقول لأصحاب ربط تشكيل الحكومة بالأزمات الاقليمية ومصالح الدول العظمى، وبالنووي الايراني والعقوبات الأميركية ضد طهران، بأن الأزمة في جوهرها، وكليتها وتفاصيلها هي بين التناقض والتنافر الحاصل بين جبران باسيل وسعد الحريري، ورؤيتهما لمستقبلهما السياسي من خلال موضوع حسم نتائج الاستحقاقين المقبلين في عام 2022، اي استحقاق الانتخابات النيابية، وبعدها استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية.

 

هنا يكمن لب المشكلة، المتصاعدة يوماً بعد يوم، والتي تسببت إلى جانب المآسي التي تسببت بها الأزمة المالية والنقدية، بشل وفرط مؤسسات الدولة، والتي كان آخرها عملية تعطيل السلطة القضائية، والتي كانت قد بدأت بقرار رئيس الجمهورية عدم توقيع التشكيلات القضائية التي وافق عليها مجلس القضاء الاعلى بالإجماع، ومروراً بدفع المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون برفض تنفيذ توجيهات وتعليمات مدعي عام التمييز غسان عويدات، بالاضافة إلى تفلّتها من كل المواد القانونية والضوابط التي فرضتها اصول المحاكمات الجزائية من خلال مداهمات واجراءات اشبه ما تكون بمغامرات ارسين لوبين أو جايمس بوند، والتي تسبب بانقسام الاجهزة الامنية بين داعم او معارض لمغامراتها.

 

ان الحواجز والموانع والمعوقات التي تمنع تشكيل الحكومة ليست وليدة ازمات المنطقة، وليست وليدة الصراع بين مصالح القوى الكبرى، وليست نتيجة الحصار الاميركي على حزب الله والنظام المصرفي اللبناني بتهمة التساهل في تبييض الاموال التي يقوم بها حزب الله وبعض السياسيين الفاسدين، وابرزها سياسة الانكار بين سعد الحريري وجبران باسيل، وبين سمير جعجع وجبران باسيل، والتي تترجم بمعارك اعلامية ومناورات سياسية تستنفر فيها كل طاقات التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، وحزب القوات اللبنانية. ويبدو ان افق المعركة الشخصية المحتدمة على حلبة التأليف مرشحة للاستمرار والتصعيد، وهذا ما تؤشر اليه الطروحات الاخيرة حول تشكيل حكومة انتخابات، كبديل عن حكومة مهمة اصلاحية، وفق ما طرحته المبادرة الفرنسية.

 

يبقى افق تشكيل الحكومة مسدودا بالكامل اذا ما استمرت حلحلة العقد التي يفتعلها باسيل من اجل دفع الحريري للاستسلام لمطالبه وبالتالي حصوله على الضمانات اللازمة ليكون المرشح الاوفر حظاً، إذا لم نقل الوحيد، في استحقاق انتخابات الرئيس الذي سيخلف العماد عون، ولا يبدو بأن الرئيس المكلف على استعداد للتراجع عن طروحاته لشكل الحكومة وتوزيع الحصص والوزارات داخلها، وفق ما يسعى اليه باسيل، فالرئيس الحريري باقٍ على مقاطعته لباسيل، ويبدو بأنه يريد ان يثأر للآلام والنكسات التي كادت تقضي على مسيرته السياسية بفعل التنازلات التي قدمها في التسوية السياسية الرئاسية، ودور باسيل في وضع كل العوائق في طريقه سواء داخل الحكومة والتي كانت لها انعكاسات سلبية شبه قاتلة في علاقاته مع المملكة العربية السعودية. هل يمكن ان ينسى احد اسباب ومفاعيل الاستقالة التي اعلنها الحريري عبر التلفزيون من الرياض؟

 

ادى استمرار لعبة الانكار السياسي بين الرئيسين عون ومن خلفه جبران باسيل والتيار الوطني الحر والحريري ومعه تيار المستقبل إلى تفكيك مؤسسات الدولة، وهدر المزيد من المال العام، وصولاً إلى البدء بهدر الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان لتأمين استمرار التغذية بالكهرباء وبدعم المحروقات وبعض السلع التي تهرّب إلى سوريا وذلك تنفيذا لالتزامات الحليفين عون ونصر الله بدعم النظام السوري وفك العزلة المفروضة عليه.

 

اللافت  هو الاصرار المتواصل على رفض كل المبادرات والنصائح والتحذيرات التي اطلقها اصدقاء لبنان العرب والدول الكبرى حول ضرورة نبذ الاحقاد والتوافق على تشكيل حكومة اصلاحية تفتح الباب امام فرص التمويل من صندوق النقد الدولي والدول الداعمة للبنان. ويستمر المسؤولون في مواقفهم غير المسؤولة من خلال رفضهم للفرصة الثمينة التي حملها اليهم وفد البنك الدولي الرفيع المستوى، والذي فضحهم، وفضح معهم جميع القائلين بربط ازمة تشكيل الحكومة بمواقف القوى الخارجية. قال الوفد بكلام واضح ان لا حصار على لبنان، بل على العكس، فكل الدول، بما فيها الولايات المتحدة، متعاطفة مع لبنان وتطالبه بتشكيل حكومة اصلاحية بأسرع وقت ممكن.

 

والسؤال يبقى: هل يدرك صاحب العهد والرئيس المكلف اهمية وقف سياسة التنابذ والالغاء والعداء والقبول بالجلوس معاً، بمبادرة الرئيس بري او من دونها، للتوافق على تشكيلة حكومية تفتح الباب امام مشاريع كبرى تنقذ لبنان وتنقذ ما تبقى من اموال المودعين في مصرف لبنان؟