IMLebanon

المحكمة أمر وجودي للبنانيين… وأحكامها التاريخية تأكيد على تحقيق مسار العدالة

 

 

بترقب وحذر شديدين، ينتظر اللبنانيون استحقاق السابع من أيار المقبل، الموعد الذي ستلفظ فيه المحكمة الخاصة بلبنان أحكامها النهائية بحق قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي فجر موكبه ظهيرة الرابع عشر من شباط بألفي كيلوغرام من المتفجرات، حيث استشهد معه واحد وعشرون شخصاً آخرين، من مرافقيه ومواطنين لبنانيين وسوريين. ومع بدء العد العكسي لهذا التاريخ الذي يشكل منعطفاً حاسماً في ما يتصل بهذه القضية التي استحوذت على اهتمام العالم بأسره، ما دفع الأمم المتحدة إلى تشكيل هذه المحكمة التي حظيت بدعم دولي غير مسبوق، سعياً من أجل كشف الحقيقة ومحاكمة المتورطين في جريمة العصر التي خلفت زلزالاً مدوياً لا يزال لبنان يعيش تداعياته حتى اليوم، تتأهب جميع الأطراف، استعداداً لهذا اليوم الذي ستعري فيه المحكمة الجناة بالاسم، وتحدد بما لا يدع مجالاً للشك، الجهات المحرضة والممولة والآمرة لهذه الجريمة، في وقت يمر لبنان بظروف خطيرة لم يواجه مثلها في تاريخه على مختلف الأصعدة.

 

وإذا كان الجميع يترصد الموقف الذي سيعلنه ولي الدم رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري وفريقه السياسي والحلفاء، من حكم المحكمة وما ستكون عليه الأمور بعد تاريخ النطق به، بعد أكثر من 15 سنة على حصول الجريمة، فإن الأنظار تتجه إلى التعاطي العربي والدولي مع حيثيات هذا الحكم، وتحديداً بالنسبة إلى الجهات التي ستتهمها المحكمة، بأنها كانت وراء الجريمة وأنها تتحمل مسؤولية الاغتيال وما أعقبه من تصفيات جسدية طالت خيرة سياسيي لبنان ومثقفيه وإعلامييه. وبالتالي ما هي الأصداء السياسية المتوقعة في لبنان والخارج لحكم المحكمة المنتظر، وما الذي يمكن أن يتركه ذلك من تداعيات على المشهد الداخلي المضطرب وعلى علاقات لبنان الخارجية؟

 

وتحديداً في ما يتصل بالعلاقات مع العهد حليف «حزب الله» الذي يتوقع أن تصدر المحكمة أحكاماً بحق أربعة من مسؤوليه وعناصره بالوقوف وراء الجريمة. دون استبعاد أن تكشف الأحكام عن تورط جهات أخرى، لبنانية وغير لبنانية في الجريمة، مع ما لذلك من انعكاسات إضافية على المشهد اللبناني المزدحم بالأحداث والتطورات.

 

ما بعد صدور الأحكام لن يكون مختلفاً كثيراً عما قبله لناحية المشهد السياسي

 

وفي الوقت الذي تكشف فيه لـ«اللواء» أوساط بارزة في «تيار المستقبل»، أنه سيكون للرئيس الحريري موقف مسهب من الأحكام الموعودة، وسيرسم صورة واضحة المعالم لمسار الأمور بعد صدور هذه الأحكام وما ستتركه من تداعيات على الصعيد الداخلي والخارجي، في إطار الحرص الذي أظهره الرجل في كل الاستحقاقات الوطنية، على مصلحة البلد وشعبه، وهذا ما ترجمه في كل المفاصل التاريخية التي مرت بها المحاكمات على مدى السنوات العشر الماضية، فإن مصادر قيادية في حزب «القوات اللبنانية» ترى كما تقول لـ«اللواء»، أن «الأحكام المنتظرة ستذهب في الاتجاه الذي أصبح معروفاً لكل الناس في لبنان وخارجه، وبالتالي فإن كل طرف يتعاطى معه وفق تعاطيه بهذا الملف منذ اللحظة الأولى. وفيما لا يتوقع من «حزب الله» أن يغير موقفه من المحكمة التي سبق وأعلن أنه لا يعترف بها، ونعتها بأوصاف شتى، فإن قوى الرابع عشر من آذار ستتعاطى مع الموضوع، باعتبار أن العدالة يجب أن تتحقق، وأن المحكمة إنجاز لبناني بعد الشهداء الكثر الذين سقطوا منذ الرابع عشر من شباط 2005، ما يعني برأي هذا الفريق أن العدالة هي المدخل لوقف الجريمة السياسية».

 

وإذ لا تتوقع المصادر أن «يكون ما بعد صدور الأحكام، مختلفاً كثيراً عما قبله لناحية المشهد السياسي بالنظر إلى ظروف البلد»، لكنها تشدد على أن «هناك أهمية تاريخية لما سيصدر عن المحكمة الدولية، باعتبار أنه في هذه اللحظة التي يعيشها لبنان وما يواجهه من أزمات لا حد لها ولا حصر، تأتي هذه الأحكام لتؤكد على مسار عدالة لم يتحقق في أي شيء في لبنان، بدءاً من الاغتيال السياسي، وصولاً إلى كل المستويات الأخرى»، مشيرة إلى أنه «ستكون للقوى السياسية المعنية مواقف على مستوى الحدث، وتحديداً قوى الرابع عشر من آذار، من أجل التأكيد على موقف المحكمة الأساسي في هذا المكان، وبما يفرض على الدولة اللبنانية متابعة هذه الأحكام، وبالعمل على ترجمتها عملياً».

 

وفي الوقت الذي يطالب فيه البعض بتوفير الإجماع مظلة للحياد في لبنان، فإن المصادر تعتبر أن «موضوع المحكمة أساسي، لا بل إنه وجودي بالنسبة إلى اللبنانيين التواقين إلى كشف الحقيقة وتحقيق العدالة»، مشددة على أن «المحكمة هي جزء من مجموعة عناصر أخرى. ولم تعد بالتالي الآن العنصر الأوحد على ما كانت عليه عند تأسيسها. بمعنى أن هناك مجموعة عناصر متداخلة تكمل عملية الضغط والإطباق على الفريق الآخر. من المحكمة إلى الحصار إلى العقوبات الأميركية إلى الأزمة المالية إلى ترسيم الحدود، إلى قانون قيصر. بحيث أنها عوامل تشير بوضوح إلى وجود خلل في التركيبة اللبنانية، وهو مسؤول عن كل هذه الملفات»، ومشيرة إلى أن «اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والاغتيالات الأخرى التي حصلت، هي جزء لا يتجزأ من مشهد اغتيال لبنان، جسدياً ومالياً واقتصادياً على كل مساحة الوطن، في امتداده الجغرافي وفي عمق دوره التاريخي».

 

في المقابل، فإن موقف «حزب الله» لن يكون مختلفاً عما أعلنه في السنوات الماضية، وإن كان لا يريد في المرحلة الحالية أن يدخل في اشتباك مع البيئة السنية، بالنظر إلى التداعيات التي لا قدرة له على تحملها، في وقت يتوقع أن يتخذ العهد موقفاً حيادياً، في إطار احترام القرارات الدولية وضرورة إحقاق العدالة ومتابعة ما سيصدر عن المحكمة، في وقت يبدو بوضوح أن الإجراءات التي اتخذت لمواجهة تمدد وباء «كورونا»، لناحية إقفال البلد من السادس من الشهر المقبل إلى العاشر منه، أخذت بعين الاعتبار موعد السابع من آب، خشية من حصول اعتراضات أو اعتصامات أو تظاهرات، رداً على أحكام المحكمة.