IMLebanon

خيارات الحريري و”حجة” العقوبات

“رجعت حليمة لعادتها القديمة”.

على رغم كل الترويج للمعطيات عن أن اتفاق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري على حصر تشكيلها، إن لجهة عدد وزرائها أو لتوزيع الحقائب أو لأسماء المرشحين لتوليها بهما، وأن مناخاً إيجابياً يسود علاقتهما، لم يخذل عون المشككين بهذه الموجة التفاؤلية.

المشككون أنفسهم لم يخفوا منذ تكليف الحريري، الذي اعتقد أن بإمكانه إعادة تأليف الحكومة إلى ملعب الرئاستين الأولى والثالثة، أن رئيس الجمهورية سيتمسك بقواعد اللعبة التي دأب عليها منذ بداية العهد، غير آبه بما أنتجته خلال 4 سنوات من انهيار ومآسٍ: الاستئثار بالتمثيل المسيحي في أي حكومة، وبمواقع وزارية أخرى عبر تقاطع رغباته مع إصرار “حزب الله” على التحكم بموازين تركيبتها. لم يحل تفاهم الحريري مع عون على حصر توليف الحكومة بهما، لتفادي التفاوض مع جبران باسيل وإكثاره من مطالبه التوزيرية، من دون عودة ساكن القصر إلى مناورة توزيع الأدوار مع صهره.

كان عون قد أوحى للحريري بأنه يماشيه في سعيه للتوافق معه، إلى درجة بدا معها أن الحكومة على قاب قوسين من الولادة، خصوصاً أن التداول بأسماء الوزراء الاختصاصيين وغير الحزبيين قطع شوطاً. إلا أن إصرار “التيار الوطني الحر” في اليومين الماضيين على زيادة عدد الوزراء، وعلى الحصول على معظم الحقائب الخدماتية والأمنية ووزارة العدل… وعلى تسمية من يقترحهم باسيل، فرمل الولادة.

ليست المرة الأولى التي يضرب فيها عون وباسيل بعرض الحائط عواقب الإبقاء على الفراغ في السلطة التنفيذية على المأزق الاقتصادي المالي الذي يغرق فيه البلد وناسه. ولن تكون تداعيات انفجار 4 آب المأسوية، وتفاقم مخاطر تفشي جائحة كورونا رادعاً للعبة التعطيل التي يتقنانها. وليست المرة الأولى التي يترك فيها “حزب الله” لحليفه أن يمارس هذه اللعبة مبرئاً نفسه منها، على رغم التباينات معه حول الاندفاع العوني نحو تسليف الأميركيين عبر مفاوضات ترسيم الحدود وغيرها من الرسائل، خارج الإيقاع الذي يفرضه هو لهذه المفاوضات.

فـ”الحزب” هو الآخر بقي على اللعبة إياها. سهّل تكليف الحريري برئاسة الحكومة رداً على رغبة عون وباسيل في التمايز عنه، وامتنع عن تسميته، وترك لـ”التيار الحر” أن يضغط عليه في تركيب الحكومة وأن “يقلّع شوكه بيده” في تحصيل ما يريد، بعدما ضمن هو تحقيق جزء من مطالبه (استثناء المالية من المداورة)، آملاً بالحصول على ما تبقى لاحقاً.

لم يكن عن عبث أن دعا الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله في كلمته مساء الجمعة إلى عدم الإفراط في توقع الإيجابية. والأرجح أنه مثل عون وباسيل لا يأبه لآثار تأخير الحكومة على الوضع المأسوي للبلد، قياساً إلى أولوية اهتماماته الإقليمية، ومنها الانتظار الإيراني لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

بات الحريري أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التسليم بحكومة يتحكم فيها الفريق العوني ومن ورائه “حزب الله” ما يعني تجرع السم، أو الاعتذار عن متابعة المهمة، لأن بقاءه مكلَّفاً سيكون مكلِفاً أكثر.

عندما صعّد الثنائي الشيعي مطالبه مع الرئيس المكلف مصطفى أديب كانت الحجة العقوبات الأميركية على حليفين لـ”الحزب”. فهل يكون إفشال إنجاز الحكومة هذه المرة رشقاً جديداً من العقوبات؟