IMLebanon

بعد الاعتذار… اعتذار؟

 

 

تولّد لدى أوساط سياسية، وبعضها لصيق بالمعنيين بإنجاز الاستحقاق الحكومي، انّ هؤلاء يناورون ويختلقون الاعذار تلو الاعذار ويفتعلون العقبات لأنهم ضمنيّاً لا يريدون تأليف حكومة باتوا يرون فيها ما يُعاكس او يهدد مصالحهم السياسية الراهنة والمستقبلية داخل البيئات التي يمثّلون وخارجها.

 

لا يخفي قطب نيابي انّ تأليف الحكومة ما يزال امام طريق مسدود ولا يبدو الى الآن انّ هناك مؤشرات على إختراقه لأنّ المؤلفين او القوى السياسية المشتبكة في ما بينها حول هذا الاستحقاق الدستوري باتت لا ترى مصلحة لها في انجازه، بل انها ترى ان مصلحتها هي الخروج من دائرته الى رحاب الاستحقاق النيابي المقرر بدءاً من 23 آذار 2021، والذي يمكن القول انّ البلاد كانت قد دخلت عملياً في مداره ابتداء من 23 ايار الماضي.

 

واستناداً الى هذه المعطيات، يتوقّع القطب نفسه ان يكون ايلول المقبل مفصلياً في شأن حسم الموقف من الاستحقاق الحكومي، خصوصاً انّ الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري بدأ منذ مدة يدرس الخيارات التي يمكن ان يلجأ اليها في ظل التعقيدات التي تعوق مهمته في تأليف حكومة الإختصاصيين المستقلين التي يطمح اليها، وبين هذه الخيارات خيار الاعتذار الذي لا يتردد بعض القريبين منه في الحديث عنه منذ اسابيع.

 

ويقول قطب سياسي انّ هناك سيناريوهات عدة مطروحة ازاء مستقبل الاستحقاق الحكومي في ظل الحديث عن اعتذار الحريري في موعد أقصاه ايلول المقبل، ومن هذه السيناريوهات أن يبادر المعنيون الى تأليف حكومة انتخابات يتولى رئاستها شخصية يُتفق عليها مع الحريري تحت عنوان ضرورة الإتيان الى هذا الموقع الثالث في هرم السلطة «شخصية تتمتع بتمثيل شعبي وسياسي في البيئة» التي تنتمي اليها. وإذ لا يستبعد أصحاب هذا السيناريو ان يرسو الخيار على احد اركان نادي رؤساء الحكومة السابقين، فإنّ هذا الخيار في المقابل دونه عقبات كثيرة لعلّ ابرزها انّ الرأي العام اللبناني والحراك الشعبي وعامة اللبنانيين باتوا تَوّاقين الى الخلاص من المنظومة السياسية الراهنة التي يحمّلونها مسؤولية الانهيار الذي أصاب البلاد مالياً واقتصادياً ومعيشياً بدءاً من اواخر العام 2019، والمستمر فصولاً الى اليوم.

 

لكنّ فريقاً آخر من السياسيين يستبعد نفاذ هذا السيناريو وملحقاته، فيؤكد ان ّالحريري الذي لم يتمكن من تأليف الحكومة على مدى 8 اشهر مع ما أصاب البلاد خلالها من انهيارات على كل المستويات ليس منطقياً ان يتم الوقوف عند رأيه في اختيار الشخصية التي تكلّف بدلاً منه تأليف الحكومة، وكذلك لا ينبغي، في رأي هذا الفريق السياسي، ان يتم اختيار أيّ من رؤساء الحكومة السابقين لأنهم ينتمون الى المنظومة السياسية المَشكو منها، خصوصاً أنّ بعض هؤلاء يشترط منذ الآن، وقبل ان يحصل اي اعتذار للحريري واي بحث في خلفيته، ان يؤلف حكومة سياسية بكل معنى الكلمة وليس حكومة انتخابات لا لون سياسياً لها ولا طعم، وحجّته في ذلك انها ستتصدى لقضايا سياسية كالانتخابات وقانونها، الى جانب تصدّيها للازمات الاقتصادية والمالية.

 

ولكن في اعتقاد هؤلاء السياسيين انّ رياح الاستحقاق الحكومي لن تجري كما تشتهي سفن المنظومة السياسية والسلطة عموماً، لأنّ الدخول مجدداً في تأليف حكومة سياسية قد يعطّل هذا الامر مثلما يعطّل الآن ومنذ كانون الاول 2020 مهمة الحريري في تأليف حكومة الاختصاصيين المستقلين او «حكومة المهمة»، كما يسمّيها الفرنسيون في مبادرتهم الشهيرة التي باتت مجهولة المصير. ما يعني انّ اي شخصية من المنظومة السياسية المَشكو منها في حال اختيرت خلفاً للحريري وحتى بالتوافق معه لتأليف الحكومة، لن تنجح في هذه المهمة وسيكون مصيرها الاعتذار عن التكليف والتأليف، وستكون البلاد في هذه الحال امام خيارين:

 

الأول، الاتفاق جدياً بين الجميع من كل الانتماءات والمشارب والمواقع في السلطة وخارجها على حكومة حياديين برئيسها واعضائها بحيث لا يترشح ايّ منهم للانتخابات، وتشرع في تنفيذ ما تَيسّر من الاصلاحات المطلوبة داخلياً وعربياً ودولياً، على ان يكون رئيسها من الشخصيات المستقلة، وتكون مهمتها لمرحلة انتقالية تنتهي بعد انتخاب المجلس النيابي الجديد ابتداء من اواخر آذار 2022 والذي تؤلف حكومة جديدة بعد تسلّمه مهماته في 24 ايار من السنة المقبلة بعده حكومة جديدة.

 

أمّا الخيار الثاني فإنّ حكومة تصريف الاعمال ستتولى، ومن دون تفعيل او تعويم، إجراء الانتخابات النيابية خلافاً لكل التوقعات القائلة بإمكان تأجيلها الذي إن حصل سيكون في رأي كثيرين محلياً وعربياً ودولياً تأجيلاً لإنقاذ البلاد من الانهيار، وكذلك تأجيلاً للتغيير المنشود تحقيقه من خلال تلك الانتخابات التي يفترض أن تنتج طبقة سياسية جديدة وسلطة سياسية جديدة.