IMLebanon

“أهل السنّة” و”أهل الضحايا”

 

هي سدرة المنتهى أن تتحقق دعوة البطريرك الراعي الى وجوب خضوع الأحزاب والمرجعيات وكل الناس للقانون دائماً، لكنها اليوم خريطة طريق ومشروع نضال نحو بناء دولة القانون التي لن تقوم بلبنان اذا لم تُجلَ الحقيقة في جريمة 4 آب.

 

وإذا كان اللبيب من الاشارة يفهم، فإن واجب “نادي الأربعة” المبشَّرين بجنة رئاسة الحكومات ان يفهم من كلام البطريرك الواضح التفسير، بأن رئيس الجمهورية ليس خطاً أحمر حين يكون شريكاً بالارتكاب او الاهمال، وهو أيضاً تحت غربال القاضي بيطار. أما حرْف الأنظار المقصود عن جوهر الموضوع بحجة الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة فجريمة فادحة تسيء الى فكرة الدولة من الأساس، والى تاريخ رؤساء الحكومات أنفسهم في الدفاع عن المؤسسات في وجه استباحتها واستتباعها ووضعها في خدمة الأهداف المناقضة لمصلحة اللبنانيين ولبنان.

 

كم كنا نتمنى لو أن المفتي دريان المعروف برجاحة الرأي وحرية الضمير فكَّر ملياً قبل ان ينتصر لرئيس حكومة مطلوب الى القضاء العدلي، بدلاً من أن يتبع خطأ سعد الحريري التاريخي في زيارته السراي تضامناً مع الذي نهاه اتصال هاتفي عن تفقد قنبلة المرفأ الموقوتة، ومنعته قلة الإحساس بالمسؤولية عن تصريف جدي للأعمال، وقال فيه “تيار المستقبل” ما لم يقله مالك في الخمرة. فمؤسف أن يَظهر سماحتُه في موقع المردّد لمشيئة “نادي الملياردير والمليونيرات”، فيما يُنتظر من موقعه السمو فوق اللعبة السياسية واعتبار جريمة النيترات كارثة وطنية تماماً كجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبالتالي فإن إحقاق العدالة فيها مسألة مبدئية لا ممالأة فيها للهاجسين بالإفلات من العقاب.

 

حبذا لو يقلع أعضاء “النادي” عن ذر الرماد في العيون عبر اتهام بعبدا بتسيير القاضي بيطار. فالقاضي أثبت مهنيته حتى الآن وليس مضطراً الى الافصاح عما في جعبته من استدعاءات تالية واتهامات. وتجربته مع حمايات بعبدا للمطلوبين تشبه تجاربه المرة مع سائر الحمايات. فبعبدا ليست أفضل ممن يتآمرون على التحقيق. ومثال حماية اللواء صليبا عبر بدعة “المجلس الأعلى للدفاع” لا يحتاج الى برهان.

 

غريب ألا يسترعي انتباه ممثلي “أهل السنة” أن المرتابين بالقاضي بيطار والمتحاملين عليه هم أنفسهم الذين رفضوا المحكمة الدولية لمحاكمة مرتكبي 14 شباط 2005، وأن الاصطفاف مع هؤلاء يمنحهم مشروعية أخلاقية وسياسية لم يحلموا بها على الاطلاق، وهو أمر شديد الحساسية يخشى ان يحوّل جريمة المرفأ الى خلاف طائفيّ يتعلق بجوهر العيش المسيحي – الاسلامي في لبنان.

 

تشكيك “أهل السنة” بالتحقيق في جريمة 4 آب يحرم “أهل الضحايا” جزءاً من غطاء وطني أساسي. وهو إذ يعرقل الوصول الى الحقيقة، فكأنه يعيد بمفعولٍ رجعي تصنيف جريمة اغتيال الرئيس الحريري بوصفها “حادث سير” أودى بضحايا على رأسهم “المرحوم” الحريري، كما يصفه من ناصبوا المحكمة الدولية العداء من الأساس.

 

هي مسؤولية كبرى سيحمل وزرها “أهل السنة” في لبنان. فوقوفهم الى جانب التحقيق العدلي بلا لف ودوران يعزّز الشراكة الوطنية التي تجلّت في التوحد ضد جريمة 14 شباط، فيما طعنهم حق ضحايا النيترات في الظهر يصيب المؤمنين بالشراكة باليأس، ويهدي المتربصين بـ”وثيقة الوفاق” فرصةً ثمينة لتدمير الصيغة و”رسالة” لبنان.