IMLebanon

حليمة وعادتها المستديمة!

 

 

في حين يواجه العالم جائحة الكورونا بكل مقدرات الدول العلمية والاقتصادية للتخفيف من وطأته على الشعوب، يواجه اللبنانيون هذا الوباء بظل مناعة مالية منخفضة جراء الازمة النقدية الخانقة التي يُعاني منها منذ الخريف الماضي. وجاءت جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، حيث سحب ملف التعيينات المالية، ولا تزال التعيينات القضائية معلقة الى حين التوافق، والبلد يترنح على حافة الانهيار الكامل.

 

عدة عوامل استجدت بعد ثورة تشرين، حيث أطبقت المصارف على أموال المودعين، من دون خطة واضحة للخروج من هذا المأزق، وتخلف لبنان عن سداد مستحقات اليوروبوند وتحكمت سوق الصرافة الانتهازية بأسعار صرف الليرة التي تدهورت وسحبت معها القدرة الشرائية الى ادنى مستوياتها، مع كل ما رافق هذه المرحلة من شلل اقتصادي وتحوّل ستين بالمئة من اللبنانيين الى تحت خط الفقر، في سابقة خطيرة لم يشهدها لبنان حتى في أسوأ أيام الحرب الأهلية… ومع كل هذا، لا يزال بعض جهابذة السياسة والمهووسين بمنطق القوة والاستقواء يمارسون ترف المساومة والمحاصصة، لا بل التعطيل في حال لم ينصع الشركاء الى رغبتهم!

 

ومن هذا المنطلق، تأتي خطوة الرئيس دياب بسحب ملف التعيينات ناقصة وتكرّس قدرة الفريق المستقوي على فرض إرادته او التعطيل، وهذه ممارسة لا يحتملها الوطن الصغير ذات المالية المحتضرة والاقتصاد المنهار… وإذا كان رئيس الوزراء «التكنوقراط والمستقل» غير قادر على المضي بخطته العلمية للخروج من هذه الأزمة، فلا داعي للمسايرة ولا بد من تحميل كل فريق وزر أعماله ووضعه امام مسؤولياته من دون مواربة، ولربما عندها تكون الاستقالة هي المخرج الطبيعي من مستنقع الفساد المسمى بالدولة!

 

إن انعكاسات هذه المناورات ستزيد من وطأة الأزمات المالية والاقتصادية، بما انها تعني تهرّب كل فريق من مسؤولياته والضغط على حاكمية مصرف لبنان تمهيداً للاستيلاء عليها، في وقت المطلوب هو توحيد الرؤية لرسم خارطة طريق للمصارف للخروج من هذه الازمة غير المسبوقة من دون المسّ بودائع اللبنانيين وجنى عمرهم، تمهيداً لخطوات اصلاحية تعيد الثقة بالقطاع المصرفي من جهة وبالدولة اللبنانية من جهة اخرى، خاصة انها قاب قوسين او ادنى من الوقوع في عداد الدول المارقة!

 

والحال ليس بأفضل في ملف التعيينات القضائية، حيث الكيدية والمحاصصة لا تزال هي العيار… فكيف يستعيد القضاء استقلاليته ليحاسب، وكيف تستعيد الدولة هيبتها من خلال قضائها، ومن أين تبدأ عملية التطهير إذا كان القضاء لا يزال رهينة المحسوبيات؟

 

إنها كورونا السياسة اللبنانية التي تفتك بالبلاد والعباد، والتي أظهرت الأشهر الاخيرة ان طريق الشفاء منها الذي بدأت به ثورة تشرين لا يزال طويلاً وشاقاً، خاصةً ان اللقاح لم ينوجد بعد ومناعة المؤسسات الرسمية لا تزال ضعيفة، والأيام القادمة لن تكون اسهل في ظل أزمة اقتصادية عالمية قادمة… فهل مَن يتّعظ من الامتحان الكبير الذي تمرّ به البشرية والذي أخضع اكبر اقتصادات العالم وأكثر انظمته شراسة وظلماً؟ ام ان هوس السلطة والقوة لا يزال يعمي بصيرة البعض!