IMLebanon

التكليف من الشعب والتوفيق من الله

 

عندما ارتكب السيد حسن نصرالله زلّة لسان صادقة خلال إطلالته التلفزيونية العاشورائية، معلناً بفخر بأنّ الله قد كلّفه بالدفاع عن الأمة، وسامحاً لنفسه بالتشكيك بإنسانية سائله عن التكليف الذي لديه ورامياً الحرْم عليه بجملةٍ مُعبّرة «حلّ عنّي» ثم بكلامٍ نابع من الفقه الديني الذي يؤمن به «مخافة الله»، لم تكن أفكار تلك اللحظة زلاّت فكرية تحت ضغط الاسئلة والمسؤوليات، بل كان فقط الاعلان عنها بهذا الاسلوب الاعلامي انزلاقاً كلامياً. يبدو ان السيد حسن قد إنجرف فعلياً خلال الإطلالة في المناسبة الدينية الشيعية، فتباهى بأفكاره وسرديّاته وتعابيره وصولاً الى حد التمادي بقول ما لا يقوله في العلن عادةً، بل ما يعنيه بقرارة نفسه وبالتزامه بعقيدته الدينية المُتحكّمة أصلاً بخطوات مشروعه وبقناعاته، التي كانت تسمح له دائماً بمخاطبة الآخرين بنبرةٍ حادّة تخوينية لانه استمدّ حججه وقرائنه من التكليف الشرعي ومن مفهومه للطاعة للولي الفقيه وسيلته الارضية للتواصل مع الله.

 

إن هذه الادبيات التي استخدمها «حزب الله» في الخفاء في المراحل الماضية لتجنّب تجفيل المواطنين المؤيدين له من غير الشيعة ومن المفكّرين العلمانيبن، قد بدأت في الفترة الاخيرة تظهر للعلن، نظراً لاعتقاد علمائه بأن مرحلة التقيّة التي فعلت فعلها في الماضي، لم يعد لها فائدة الآن، وان الظروف الاقليمية والداخلية نقلت المواجهة الى مرحلة اخرى يحتاج خلالها المشروع سلاحاً آخر كالتجييش والتعبئة وشحن النفوس والذاكرة التاريخية وتغذية الهوية العقائدية. إن مرحلة الطروحات الوطنية الزائفة والافكار التقاربية مع الآخرين قد اصبحت من الماضي وقد دخل «حزب الله» في مرحلة اعلان النوايا الحقيقية، مستكملاً السيد حسن بإعلان ألوهية تكليفه، ما صرّح به رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ هاشم صفي الدين من حوالى اسبوعين حين اعلن انتهاء مرحلة تحضيرات الحزب الخفيّة التي دامت 40 سنة وصولاً الى مرحلة ترجمة مشروعه الفقهي القاضي بتغيير هوية لبنان.

 

يأتي الردّ على هذه الإدّعاءات الإلهية من علماء شيعة ادركوا منذ نشأة هذا الفكر الفقهي في ايران في المراحل الاولى لتصديره الى خارج ايران ومنه لبنان، بأنّ ما يُطرح فقهياً خطير بحق الدين الاسلامي وبحق الاوطان، وكان اوّلهم السيد موسى الصدر الذي قال ان التشيّع رؤية وسلوك واجتهادات ومواقف وليس مشروع سلطة او دولة مستقلّة او منظومة الأمة او الوطن. كان قد سبقه الى انتقاد هذا الفكر العلامة الايراني شريعتي الذي قتل في لندن سنة 1976 في ظروف غامضة وكان اكثر المعارضين لنشأة الحكم الاسلامي في ايران. امّا الشيخ محمد مهدي شمس الدين فقال حينها بأن في الفكر الاسلامي الدولة كلها غير مقدّسة ولا يوجد فيها اي شيء مقدّس على الاطلاق.

 

وبالعودة الى النقاش السياسي الطبيعي الذي يجب ان يدور بين اطراف الوطن الواحد لمعالجة هموم ومصالح الشعب ولتحييد الوطن قدر ما امكن عن الكوارث والنكبات والانشقاقات والاقتتال الداخلي المدمّر، فعلى السيد حسن ادراك حجم الخطورة التي تنعكس على الشراكة الوطنية بتفرّده بأخذ القرارات عن باقي اللبنانيين بحجةٍ إلهية او مذهبية او طائفية او عقائدية، فمن البديهي ان يتواضع وان يعتبر ان قراراته تخص فريقه السياسي فقط وليست قرارات مُلزمة للآخرين، ومن اجل تحويلها قراراً وطنياً عليه ان يطرحها في اروقة المجالس السيادية من حكومة ومجلس نواب، حتى وان كان من يحكم الوطن اليوم من رأس الجمهورية نزولاً منظومة محكومة منه. ولذلك فاننا نعتبر ان ما اقدم وما سيُقدم عليه السيد حسن باسم اللبنانيين ليس الا تزويراً وتعدّيا على القانون.

 

حُكمت في القرون الماضية عدّة شعوبٍ من انظمةٍ ديكتاتورية، وما زالت بعض الشعوب حتى الآن تعاني من انظمة كهذه ومنها الشعب الايراني، ولكنها انظمة رسمية تحكم شعوبها، وليست منظّمات مسلّحة، امّا في الواقع اللبناني فإن ما يرتكبه السيد حسن بحق اللبنانيين من خلال حزبه المسلّح فهو فرض ارادةٍ بالقوة والتهويل والترغيب وبإلغاءٍ ومصادرة للقناعات. انها الحقيقة المدنية القانونية التي يُحكم من خلالها لبنان واللبنانيين حالياً، في حين اتفق اللبنانيون منذ نشأة لبنان وفي مؤتمراتهم الوطنية وفي دستور الطائف على الحكم المدني وليس الديني بأي شكل من اشكاله، وكل غير ذلك ليس الا مخالفات للقانون والدستور وطبيعة لبنان والعقد الوطني والشراكة والهوية والوجود. امّا التكليف الإلهي الذي ادّعاه السيد حسن لنفسه فكلام فارغ في المفهوم المدني والرسمي والسياسي، ويدلّ بشكل فاضح على مدى غربة السيد وحزبه وذهنيته ومشروعه عن لبنان واللبنانيين، ويؤكد اننا لم نتجنّ يوماً عليه في كل تلك السنوات التي نبّهنا خلالها من مشروعه الخطير والالغائي لقناعاتنا. ان انخداع الكثير من المدافعين عن السيد حسن وحزبه والمهاجمين لنا لا امكانية لهم لاصلاح ما اقترفوه بحق الوطن والشعب والاجيال ولا مجال للتخفيف من سلبيات خطاياهم واخطائهم المميتة بحق وطن الارز تحت مسمّياتٍ كثيرة منها العنفوان والدفاع عن الارض والقبول بالذمّية، الا بالانقلاب الفوري على هذا المشروع والانضمام الرجائي للمشروع المواجه له الذي سيُعيد لبنان الى المسار الطبيعي السياسي والاقتصادي والسياحي والانفتاحي. «الشجاعة التي تؤثّر هي التي تنقلك من واقع الى واقع آخر مغاير» حسب ما قال الصحافي والكاتب الاميركي مينيون ماكلوفلين. المعالجات مع هذا الفكر المُتظلّل بألوهيةٍ ما لا توصلنا الى اوطان، فما بحاجةٍ له المواطن اللبناني هو المعالجات الحقيقية وليس العقائد الجامدة.

 

فإن كان تكليفه من مكانٍ ما ارضيّ قد كلّفنا جنى عمرنا وارزاقنا ودورنا الريادي، فتكليفنا من الشعب قد وضعنا في موقع المسؤولية لانقاذ لبنان من تكليفه وعلى الرب التوفيق.