IMLebanon

هل يُعلن نصر الله نفسه بطريركاً للموارنة؟ أنا أختار لكم رئيسكم

 

منذ إعلان دولة لبنان الكبير تعاقب على السدّة البطريركية المارونية في بكركي ستة بطاركة لم يسبق أن تدخّل أيّ منهم بشكل حاسم في تسمية أو اختيار رئيس الجمهورية الماروني لموقع رئاسة الجمهورية الذي تعاقب عليه 13 رئيساً. كان بعضهم بعيداً أو معارضاً للموقع الديني الماروني الأول. الدور الذي لم تلعبه بكركي يريد أن يلعبه بالممارسة المكشوفة، الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله منذ العام 1989 تاريخ انتخاب الرئيس الأول للجمهورية في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف.

 

في إطلالته الأخيرة في 6 آذار الحالي خلال الإحتفال التكريمي الذي ينظّمه «حزب الله» لمناسبة «يوم الجريح»، خصّ السيد حسن نصر الله موضوع انتخاب رئيس للجمهورية بجزء كبير من خطابه يُبرز مدى الإهتمام الذي يبديه في هذه المرحلة، كما في مراحل سابقة مماثلة، تجاه هذا الإستحقاق حيث أعلن تبنّي ودعم ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وتحدّث عن «اختيار» هذا الرئيس وقرار حزبه الذي يريد أن يفرضه على الآخرين المعنيين بهذا الإستحقاق.

 

قال نصرالله: «نريد جدياً انتخاب رئيس للجمهورية ولا نريد الفراغ، وملتزمون بنصاب الثلثين في انتخاب الرئيس، بالدورتين الأولى والثانية. ومع المرشح الذي ندعمه سوف نبقى ملتزمين بنصاب الثلثين… وليس لدينا شيء اسمه مرشّح «حزب الله»… ما لدينا هو مرشّح يدعمه «حزب الله» وهناك فرق بين الإثنين… عندما نكتب الاسم على الورقة يعني أنّ هذا التزام قاطع وجدّي ولا نمزح به ولا نناور ولا نقطِّع الوقت، نضمّ صوتنا الى صوت دولة الرئيس بري، والمرشّح الطبيعي الذي ندعمه في الانتخابات الرئاسية ونعتبر أنّ المواصفات التي نأخذها في عين الاعتبار تنطبق عليه هو الوزير سليمان فرنجية…».

 

وتوجّه إلى التيار «الوطني الحر» قائلاً: «ليس في التفاهم أن يُلزِم أحدُنا أن يقبل مع الآخر بشخص رئيس الجمهورية، ولا على رئيس المجلس ولا رئيس الحكومة، لذلك برئاسة المجلس اختلفنا ولم نقلْ لهم هذا طعن وخيانة وغدر بل قلنا هذا حقهم الطبيعي… عندما ندعم ترشيح الوزير سليمان فرنجية هذا لا يعني أنّنا خرجنا من التفاهم، لا أنا أخونك ولا انت تخونني… التفاهم مع «التيار الوطني الحر» لا يعني أن نختار رئيساً من التيار أو أن نختار الرئيس الذي يريده التيار…».

 

التحرّر من عهد عون

 

كلام نصرالله واضح في كل ما يتعلّق بالموضوع الرئاسي. تحدّث عن «اختيار» الرئيس وعن رفض أي رئيس آخر لا يريده من خلال تعطيل النصاب وعن أنّه اختار الرئيس ميشال عون ليس بسبب تفاهم مار مخايل. وبالتالي حرّر نفسه من مسؤولية فشل العهد ومن اتهام عون له بأنّه لم يدعمه في مسألة بناء الدولة والحرب على الفساد. وذهب أكثر من ذلك إلى حدّ أنّه يريد فرض «خياره» على «التيار» أيضاً مُخرجاً موضوع التفاهم عمّا يتعلّق برئاسة الجمهورية، بحيث أنّ على «التيار» أن يأتي إلى خيار «الحزب» لا أن يأتي «الحزب» إلى خيار «التيار».

 

إستراتيجية نصرالله في مقاربة موضوع رئاسة الجمهورية تدخل في صلب استراتيجية «الحزب» التي لا يمكنه أن يبدِّلها ولا أن يعدِّلها. في الأساس لم يخرج «الحزب» من الوثيقة السياسية التي أعلن عنها في شباط 1985، وأبرز ما ورد فيها «نحن في لبنان لسنا حزباً تنظيمياً مغلقاً، ولسنا إطاراً سياسياً ضيقاً… إنّنا أبناء أمّة «حزب الله» التي نَصَر الله طليعتها في إيران، وأسّست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم… إنّ «حزب الله» هو جزء من الأمّة الاسلامية الايرانية ويتبع ولاية الفقيه…».

 

صحيح أنّ «الحزب» أعلن في العام 2009 عن وثيقة سياسية جديدة ولكنّها بقيت ضمن إطار الوثيقة الأولى. هذه الإستراتيجية لم تتبدّل في موقف «الحزب» الرافض لاتفاق الطائف الذي ظلّ يعتبر أنّه أبقى رئاسة الجمهورية من حصّة الموارنة. ومعارضته لهذا الإتفاق لم تكن تلتقي مع معارضة العماد ميشال عون له لأنّ كلّاً منهما كان ينطلق من حسابات مختلفة. عون كان يريد أن يكون هو الرئيس بناء على دستور ما قبل الطائف، أو على دستور الطائف، ومطالبته بتعديل «فاصلة» في هذا الإتفاق كانت من أجل خدمة حلمه بالرئاسة.

 

أمّا معارضة «الحزب» فكانت مبدئية وجذرية واستراتيجية. لم يكن «الحزب» ضد انتخاب رينيه معوض مثلاً لأنّه رينيه معوض بل ضد الآلية كلّها وضد النظام الذي يُنتجها. وهو عندما أيقن أنّ هذا الإتفاق أصبح أمراً واقعاً، سعى لكي ينضبط ضمن حدوده مع العمل على تعديل آلية تطبيقه. ولذلك عندما وُضِع أمام خيار المشاركة في الإنتخابات النيابية في العام 1992 كان يحتاج إلى فتوى شرعية تجيز له المشاركة عبر هذه الإنتخابات في هذا النظام الذي يرفضه لأسباب دينية وعقائدية، طالما أنه لا يندرج ضمن إطار مفهومه لولاية الفقيه التي لا يرى لبنان إلّا جزءاً منها. وهو لذلك عندما كان أمام خيار المشاركة في الحكومات بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، كان يحتاج إلى فتوى مماثلة لأنّه بين العام 1990 و2005 كان يكتفي بالمشاركة في السلطة التشريعية من دون السلطة التنفيذية. ولكن بعد خروج الجيش السوري من لبنان كان عليه أن يقرّر الدخول إلى قلب اللعبة السياسية ليطوّع هذه اللعبة في خدمة مشروعه.

 

قرار التعطيل لفرض الخيار

 

صحيح أن «الحزب» لم يكن مقرِّراً في انتخاب الرئيس رينيه معوض ثمّ في انتخاب الرئيس الياس الهراوي عندما كان القرار بكليته بيد النظام السوري، ولكنّه كان شريكاً لهذا النظام في اختيار الرئيس إميل لحود ثم في التمديد له خلافاً للقرار 1995. وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005، صار القرار الرئاسي عنده. ولذلك عطّل انتخاب الرئيس بعد انتهاء ولاية لحود ثم عطّل الإنتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. وهو يعطّل اليوم جلسات الإنتخاب بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. لم يكتفِ بذلك، بل عطّل عهد الرئيس سليمان من خلال الإنقلاب على تفاهم الدوحة وعلى حكومة الرئيس سعد الحريري لأنّه كان يريد أن يكسر التوازن باستخدام السلاح وبالقوة، للإنقلاب على الأكثرية النيابية التي كانت مع قوى 14 آذار في انتخابات 2005 ثم في انتخابات 2009 وحالياً بعد انتخابات 2022.

 

لا يريد نصرالله أن يكون بمثابة البطريرك الماروني فقط، ولكنّه يوسّع سلطته ليتحكّم باختيار رؤساء الحكومات ليكون بمثابة مفتي الجمهورية أيضاً. بعد تحكّمه بفرض اختيار رئيس مجلس النواب الشيعي والنواب والوزراء والموظفين والقضاة والضباط الشيعة، يريد أن «يختار» الرئيس الماروني ورئيس الحكومة السني وأن يحدّد دور المؤسسات الدنيا، كدور قائد الجيش مثلاً، أو دور رئيس مجلس القضاء الأعلى، وحاكم مصرف لبنان، على قاعدة أنّه إذا كان هذا الموقع يشغله ماروني فمن الواجب، الذي لا يتم الواجب إلّا به، أن يكون هو من يمون على هذه المواقع طالما أنّه لا يمكنه أن يبدّل طوائف من يشغلها.

 

في عزّ الخلاف بين رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير في العام 2005 خرج مؤيّدوه هاتفين «أنت البطرك يا سليمان». بعد شروط نصرالله الرئاسية لوضع يده على موقع الرئاسة، وكأنّه بطريرك الموارنة، لا بدّ من تحديد من هو هذا البطريرك. ولا بدّ من أن يكون للبطريرك الوحيد الذي أعطي له مجد لبنان، أن يحدّد موقفه من استراتيجية نصرالله ومن المرشّح الذي «اختاره» «الحزب»، انطلاقاً من المواصفات التي حدّدها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أكثر من مرّة لرئيس الجمهورية العتيد، وتتعارض كلياً وتتناقض مع ما يريده نصرالله. على الأقل حتى لا يتوسّع دور نصرالله ويصل ربما إلى حدّ اختيار البطريرك الماروني، أو إلى حدّ تحديد ماذا يجب أن يفعله البطريرك.