IMLebanon

الصحّة «رسالة» مُبكرة الى الأميركيين

 

اليوم بدأ تنفيذُ المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران، يواكبها تنفيذُ قانون العقوبات على «حزب الله» (HIFPA) بنسخته الثانية المعدّلة. وبالتالي، هناك مرحلةٌ جديدة من المواجهات المالية والاقتصادية على الساحة اللبنانية.

 

إحتلّت العقوبات الأميركية على طهران و«حزب الله»، والتي بدأت بمرحلتها الأولى في الصيف، ودخلت حيّزَ التنفيذ في مرحلتها الثانية في 5 تشرين الثاني (اليوم)، واجهة الاهتمامات في لبنان.

 

ومع أنّ هذه العقوبات سبق وفُرضت على طهران وحليفها، قبل الاتّفاق النووي، ولم تؤثر في حينه على الاقتصاد اللبناني أو تمسّ نظامه المالي، إلّا أنها حالياً تثير القلقَ لأسباب عدة، من أهمها:

 

-1 التزامن بين العقوبات على إيران وبدء تطبيق قانون العقوبات على «حزب الله»، ما يوحي بأنّ الإدارة الأميركية تتعاطى مع الملفَّين على أساس أنهما ملفٌّ واحدٌ مترابط. وقد عبّر عن ذلك مضمونُ البيان الذي صدر من البيت الأبيض والذي جاء فيه حرفياً، في توصيف «حزب الله»، أنه «المنظمة الراديكالية الإرهابية والشريك القريب للنظام الإيراني والذي ينوب عنه».

 

وبالتالي، فإنّ التعاطي مع الحزب سيكون على أساس هذا التوصيف الذي لا يفرّق بين طهران وحارة حريك.

 

ثانياً – إنّ النسخة المعدَّلة من قانون HIFPA تختلف في النصوص عن النسخة الأصلية الأولى، من حيث إعطاء الرئيس الأميركي سلطةً إستنسابيةً في تحديد هويّة الأفراد أو المؤسسات التي سيشملها القانون، ومن حيث شمول العقوبات الأطراف «الثانوية» التي تتعامل مع الحزب من دون أن تكون من صلبه، وأيضاً من حيث إنها تشمل المؤسسات الحكومية والأجنبية.

 

كذلك، يتحدث القانونُ بنسخته الثانية عن إمكانية معاقبة طرف متعامل مع «حزب الله»، حتى لو عن غير قصد، انطلاقاً من مبدأ أنّ المعطيات كان يُفترض أن تجعله يعرف. هذه الاضافة تتابعها المصارف اللبنانية بدقة، لأنها في النسخة الأولى من القانون كانت غيرَ مسؤولة في حال كانت تتعامل مع مؤسسة لا تتبع «حزب الله»، ومن ثمّ قرّرت الإدارة الأميركية وضعَها على اللائحة السوداء.

 

في هذه الحال، كان المصرفُ المعني يلجأ الى تجميد حسابات الفرد أو المؤسسة المعنيّة، ويوقف التعامل معها، من دون أن يتحمّل أيَّ مسؤولية عن تعامله السابق مع الزبون المعني. لكن في ظلّ القانون الجديد، تستطيع الإدارة الأميركية اعتبار المصرف مقصّراً في جمع المعلومات عن زبائنه، وتستطيع إذا شاءت معاقبته على هذا الأساس.

 

3 – إنّ التعاطي مع إيران و«حزب الله» على أساس كيان واحد، يجعل الوضعَ أشدَّ دقةً بالنسبة الى لبنان، خصوصاً إذا ما ارتأى «هذا الكيان» أنّ الساحة اللبنانية يمكن أن تكون الخاصرة الرخوة بالنسبة الى الأميركيين، وقرّر أن تكون المواجهة الأساسية معهم على هذه الساحة.

 

وفي هذا الاطار، يستطيع هذا الكيان الاستناد الى تجربته السابقة مع القانون بنسخته الأولى، حيث نجح من خلال «الدمج القسري» بين الحزب والقطاع المصرفي اللبناني، أن ينجوَ من العقوبات.

 

يومَها اعتبرت واشنطن أنّ التفجير الذي تعرّض له المقرّ العام لأحد المصارف اللبنانية الكبيرة، رسالةً من «حزب الله» مفادها أنّ الإصرار على ضرب الحزب، سيؤدّي الى ضرب المصارف ايضاً، وبالتالي انهيار الوضع المالي والاقتصادي في لبنان. وقد أدّت الرسالةُ دورَها الإيجابي بالنسبة الى الحزب، وتوقفت موجةُ المحاصرة التي كان يتعرّض لها مع المقرّبين منه.

 

حالياً، هناك مَن يعتقد أنّ الحزب يعتبر أنّ واشنطن تتعاطى مع لبنان على أساس أنه كيانٌ صديق لم تخسره بعد، ولا تنوي خسارتَه. وبالتالي، فإنّ المعادلة بسيطة، وتنصّ على أن يكون مصيرُ لبنان والحزب واحداً، وعلى الإدارة الأميركية أن تختار بين التخلّي عن طموح تدمير الحزب حفاظاً على لبنان، وبين الإصرار على ضرب الحزب بما سيؤدّي الى «ضرب» لبنان.

 

ومن هنا، يسود الاعتقاد في بعض الاوساط، أنّ إصرار الحزب على تولّي حقيبة الصحة يأتي في سياق الرسالة المبكرة الى الأميركيين. إذ إنّ هذه الوزارة تخدم حوالى 52% من اللبنانيين، وبالتالي كيف ستطبّق الإدارة الأميركية قانونها الذي ينصّ على معاقبة المؤسسات الرسمية التي تتعاطى مع الحزب، إذا كانت عاجزةً عن معاقبة وزارة يتولّاها ويديرها الحزب، ويستفيد منها حوالى مليوني لبناني؟

 

وبالتالي، فإنّ ضربَ القانون ومنع تطبيقه في مكان يقود الى تفريغه من مضمونه، وخلخلة تطبيقه بكل مندرجاته في كل الأمكنة. كذلك، فإنّ تولّي «حزب الله» وزارة أساسية كالصحة، يجعله طرفاً رئيساً في التركيبة الحكومية، ويُسخّف محاولة التفرقة بينه وبين سائر الحكومة من قبل الأميركيين.

 

وهذا ما يفسّر ربما الغضب الأميركي على الخطوة، والذي عبّر عنه نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون المشرق جويل رايبرن الذي زار بيروت والتقى الحريري وحاكم مصرف لبنان وقائد الجيش وعدداً من النواب ورجال الأعمال واستخدم لغةً قاسية في تحذيره من احتمال حصول «حزب الله» على حقيبة خدمات رئيسة.

 

تبدو المواجهة حتمية على الساحة اللبنانية، وهناك ترقّب لخطورة الرسائل التي قد تُقرّر إيران عبر «حزب الله» توجيهها الى الأميركيين، وقد يكون من ضمنها منعُ ولادة الحكومة. وسيكون مصيرُ البلد اقتصادياً ومالياً ضمن المعادلة في هذه المواجهة المفتوحة. والمفارقة هنا، أنّ الوضعَ المالي والاقتصادي يكاد ينهار قبل المواجهة، فكم ستكون فرصُ النجاة حقيقية مع بدء المواجهة؟