IMLebanon

جهنم الوهابية أفضل من جنة إيران

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز« مقالة للمدعو محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، بعنوان «فلنخلص العالم من الوهابية»، وحين قرأت المقالة تساءلت، هل يدرك ظريف معنى ما يقول أم لا يدرك، والحقيقة أن الإجابة غير مهمة لأنه أياً تكن ستفضي إلى نتيجة واحدة: ظريف يقصد السعودية لا الوهابية.

المدعو ظريف، ربما جهل أن هناك فرقاً بين السلفية وبين الوهابية، فالسلفية نظرية دينية لها تشعباتها، أما الوهابية فهي حركة سياسية لا شأن لها بالإسلام مطلقا، وإن كان خطابها دينيا، هي مجرد ظرف تاريخي أمن سببا مباشرا لقيامة الدولة السعودية، كانت السلفية موجودة قبل الوهابية واستمرت بعدها، أما الوهابية، ولأنها حركة سياسية، انتهت بقيامة الدولة السعودية الحديثة، أي الدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، فالوهابية مثلت ثورة بالنسبة إلى شبه الجزيرة العربية، وتنتهي الثورة فور لحظة قيام الدولة.

كانت الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية محطات بلورت نظرة السعوديين إلى أنفسهم وإلى العالم، وبرزت النتائج يوم أعلن الملك عبدالعزيز عن عزمه على استعادة ملك آبائه وأجداده، وخاض معارك توحيد البلاد ودانت له من أقصاها إلى أقصاها حربا وصلحا، لم يقل عبدالعزيز أنه يريد تطبيق الوهابية بل يريد استعادة الدولة، وهذه التجربة جعلته بطلا عربيا من المحيط إلى الخليج، فلم يعرف العرب إلا رجلين أنجزا وحدة سياسية في القرن العشرين، عبدالعزيز آل سعود وحد المملكة العربية السعودية وزايد آل نهيان أسس دولة الاتحاد الإماراتية.

الحديث عن ارتباط العنف بالوهابية في محله شكلا لكنه متهافت مضمونا، فحين ننظر إلى الوهابية كثورة سياسية يأتي العنف في سياق طبيعي، هكذا تنشأ الدول والإمبراطوريات – وربما الأديان والطوائف أيضا- كما قال ماركس، هذا عنف الوهابية وذاك عنف الثورة الفرنسية، قامت الولايات المتحدة على إبادة الهنود الحمر وبضع حروب اهلية، ويستطيع جواد ظريف نفسه أن يحدثنا عن عنف مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، روح الله الخميني، ضد أنصار الشاه وضد رفاق ثورة 1979 من العلمانيين ومن اليساريين، ونلجأ إلى منظمة العفو الدولية التي أعطتنا رقما تقديريا يصل إلى 11 ألف حالة إعدام حتى سبتمبر 1983.

المتطرفون ينظرون إلى الوهابية كحركة دينية، ولا يتفق معهم في ذلك إلا ملالي الثورة الإيرانية وساستها كمحمد جواد ظريف، حين قال بعض رفاق عبدالعزيز آل سعود له إن الوهابية حركة دينية وثورة مستمرة قاتلهم وهزمهم في معركة السبلة سنة 1929 في حين أن إيران نص دستورها على مبدأ تصدير الثورة والفتنة في دستورها.

يقول ظريف في مقالته إن الوهابيين يقتلون السنة والمسيحيين واليهود والشيعة، وكلامه غير صحيح، من يفعل ذلك هم المتطرفون من كل الطوائف، أما الوهابيون (آل سعود تحديدا) فهم مرجعية السنة السياسية في العالم، وقد فاجأتني حقيقة رقة ظريف المستجدة تجاه اليهود، لذلك نتمنى منه مقالة جديدة وحاسمة يتبرأ فيها من قيام إيران في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بتنظيم مؤتمر رسمي ينكر الهولوكوست.

ادعاءات ظريف على السعودية باستهداف الآخر يمكن تفنيدها بمقارنة بسيطة بين سوريا وبين اليمن، في سوريا قامت إيران وحلفاؤها بتهجير أهالي الزبداني وحصار قرية مضايا بسبب الميول السياسية والتصنيف الطائفي للسكان، وفي اليمن تقوم السعودية بإيصال المساعدات الإنسانية لمناطق خصومها الحوثيين (حلفاء إيران) مثل غيرهم.

الحوثيون هم جيران السعودية منذ عقود، لم تحاول السعودية مطلقا تغيير هويتهم الدينية، في حين أن إيران تعمل بجد في سوريا على تشييع الطائفة العلوية رغم الحلف بين الطرفين، ومعنى ذلك باختصار أن إيران تريد أن تلغي طائفة كاملة بالتبشير الديني وربط مساعداتها الإنسانية بالاستجابة لتبشيرها، والآن تطلق إيران مشروعا مشابها في منطقة السويداء الدرزية، حتى الحوثيين غيرت إيران عقيدتهم الدينية وأدخلت إلى مذهبهم مبدأ «ولاية الفقيه» وأثار ذلك غضب علماء المذهب الزيدي المحترم.

عموماً تتسلل إيران إلى الدول التي تستهدفها بـ«مراكز ثقافية» هي في حقيقتها مراكز تبشير ديني، ثم يتطور عملها بتحويل نتاج هذه المراكز إلى ميليشيات، وهنا تبدأ المأساة، ومن حسن الحظ أن السعودية تقيم علاقاتها مع الدول لا مع الجماعات والميليشيات وإلا كانت إيران وجوارها المباشر من أوائل المتضررين، لكن هذا هو الفرق بين منطق العصابات ومنطق الدولة.

المتطرفون والإيرانيون يريدون الوهابية حركة دينية لا سياسية، ومعنى ذلك أنهم يريدون أن يحولوا لحظة تأسيس الدولة وما رافقها من ظروف استثنائية على صعيد الخطاب السياسي الحدي والعنف العارض إلى فرض ديني دائم يعيق استقرار الدول والإسلام في المنطقة لأنهما باختصار ضد قيمة الدولة وضد الإسلام، إيران رغم أعجميتها تريد أن تهيمن على العرب وهذا صعب في ظل دول عربية قوية ومستقرة، والمتطرفون يريدون الهيمنة على الإسلام وهذا مستحيل في وجود دولة مثل السعودية، لذلك من اللافت أن العمليات الإرهابية التي تستهدف المملكة منذ تفجيرات الخبر سنة 1996 إلى تاريخه يقف خلفها إما إيران من جهة وإما القاعدة وداعش من جهة أخرى، وهذا غريب جدا، إذا كانت القاعدة وداعش تعتمدان على تمويل المملكة فلماذا تستهدفان المملكة داخل حدودها وخارجها، وإذا كانت إيران تحارب الإرهاب فعلا لماذا لم يستهدف الإرهاب إيران مطلقا، وإذا كانت إيران على خصومة مع الإرهاب لماذا يتفقان إذن على مهاجمة المملكة، لا معنى لذلك سوى أن إيران والإرهاب في ضفة والمملكة في ضفة أخرى، والطريف أن ظريف يتهم السعودية بالتسويق لجبهة النصرة بينما الحقيقة أن السعودية تصنفها رسميا تنظيما إرهابيا وتعاقب كل من يدعمها أو يمولها.

في عام 2014 أصدرت السعودية نظاما حدد الجماعات الإرهابية، وهي: تنظيم القاعدة، جماعة الإخوان، داعش، جبهة النصرة، حزب الله وجماعة الحوثي. وفصلت المملكة عقوبات الانضمام لتلك الميليشيات قتالا أو تمويلا أو ترويجا، وقد تصل العقوبة إلى الإعدام أو إلى السجن المؤبد في بعض الحالات، وبالفعل أعدمت السعودية في يناير 2016 نحو 50 رجلا من كل هذه التنظيمات بلا تمييز طائفي أو سياسي، في حين أن إيران تغطي عملاءها الإرهابيين كقتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في لبنان المطلوبين للمحكمة الدولية.

دخلت المملكة في حروب مباشرة مع هذه الجماعات، هناك صراع داخل المملكة مع تنظيم القاعدة منذ نحو عقدين، وفي العامين الأخيرين أجرت داعش 16 عملية على الأقل داخل الحدود السعودية ردا على مشاركة السعوديين العسكرية في «التحالف الدولي ضد الإرهاب» الذي يعمل في سوريا وفي العراق، وقامت المملكة بإسقاط نظام جماعة الإخوان في مصر، ونظرا لاعتداء الحوثي على الشرعية اليمنية أطلقت المملكة عملية عاصفة الحزم وإعادة الأمل، والصراع مع حزب الله مكشوف ومستمر في غير مكان. المشكلة التي تواجهنا هنا أننا لو رصدنا علاقة إيران بهذه الجماعات _ خارج الإعلام _ لن نجدها علاقة مواجهة، هناك ارتباط عضوي مع حزب الله والحوثي، وهناك دعم غير مباشر للإخوان والقاعدة ولداعش والنصرة.

بعد ثورة 30 يونيو، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانا تضامن مع الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، وآوت إيران قادة تنظيم القاعدة بعد أحداث سبتمبر كأبو حفص الموريتاني وسيف العدل المصري وسعد بن أسامة بن لادن وسليمان أبو غيث وأبو سليمان المكي وصالح القرعاوي وماجد الماجد، ولا توجد في سوريا جبهة واحدة مشتعلة بين داعش وبين إيران وحلفائها.

كما دعمت إيران في سوريا الرئيس الذي يقتل شعبه، دعمت في اليمن الميليشيا التي تقتل شعبها، وكما أسست ما يسمى بحزب الله في لبنان لتعطيل الدولة واستهداف دول الجوار أرادت نسخة حوثية من هذا المشروع في اليمن.

ليس هذا فحسب، حاولت إيران إدخال دولة البحرين في دائرة نفوذها غير مرة، واستولت على العراق بشكل شبه كلي بعد الدخول الأميركي، ولا ننسى أنها منذ عقود استمرأت احتلال الجزر الإماراتية التي اغتصبها الشاه.

بالنظر إلى السلوكين الإيراني والسعودي في المنطقة، لا يمكن أن نضع دولة تحترم نفسها وتحارب الإرهاب كالمملكة مع دولة لا تحترم نفسها وتدعم الإرهاب كإيران. السعودية تلاحق الإرهابيين حتى لو كانوا سعوديين أو سنة وإيران تحمي الإرهابي إذا كان شيعيا أو إيرانيا أو إذا كان سنيا أو عربيا قتل سنة أو عربا.

إن قارئ مقالة ظريف لا يمكن أن يصدقه لأربعة أسباب، الأول تاريخ إيران في ممارسة الإرهاب الذي لم يتوقف، بداية من أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران 1979، تفجيرات الكويت 1983، اختطاف طائرة تي دبليو إيه 1984 واختطاف الطائرة الكويتية 1985، تفجيرات الأرجنتين 1992 – 1994، تفجيرات الخبر 1996، تفجيرات بلغاريا والهند 2012، وليس أخيرا الاعتداء على السفارة السعودية في طهران مطلع العام الجاري، وهذا غيض من فيض. في المقابل ليس هناك أي عمل إرهابي في العالم تمت إدانة السعودية كدولة به، مشاركة الأفراد واردة ولا تدين الدولة، هناك أميركيون وأوروبيون في داعش تماما كما أن هناك عربا.

السبب الثاني لعدم تصديق ظريف، هو نتاج سياسات إيران في المنطقة اليوم، كلما دخلت إيران دولة عربية انصرف أهلها عن التنمية أو محاربة العدو إلى الاقتتال الداخلي، فعلوا ذلك في فلسطين والعراق واليمن والبحرين ولبنان وسوريا. العراق نموذج لدولة تحت النفوذ الإيراني كليا وانتهت إلى فشل ذريع وطريق مسدود وتنازع العملاء على السلطة، بل إن العراق تفتت فعليا بسبب السياسات الإيرانية إلى «عراقات»، لبنان كان في عهد رفيق الحريري حليف المملكة أيقونة إعمار وحياة وبعد تغول ميليشيا حزب الله أصبح عنوان تعطيل واغتيالات.

السبب الثالث، هو النموذج الإيراني نفسه، احتج الإيرانيون على تزوير الانتخابات سنة 2009 فقام النظام بإطلاق ميليشياته عليهم، شاهدنا الآلاف يتظاهرون سلميا ضد النظام، وكانت النتيجة قتل واعتقال وتعذيب المئات من المواطنين، وشهادات النشطاء ووثائق المؤسسات الحقوقية بالأرقام مفزعة وبالصوت والصورة أيضا. وحين أطلقت المخابرات الإيرانية ثورة مفبركة ضد السعودية عام 2011 لم يتظاهر معها إلا شخص واحد تم التعامل معه بمنطق القانون والدولة.

رابعاً، إيران دولة احترفت الكذب، تزعم أنها دولة إسلامية وهي تقتل المسلمين، تزعم أنها دولة ديمقراطية وتقتل شعبها، تزعم أنها ستحرر فلسطين وهي تحتل أرض العرب تماما مثل إسرائيل، في حين أن السعودية أقله لا تكذب، لم تزعم السعودية يوما أنها دولة ديمقراطية ولم تزعم يوما أن الملك هو ممثل الله ولم تزعم يوما أنها سترمي إسرائيل في البحر كما كذب البعض.

جواد ظريف يزعم حرصه على العرب وعلى السنة في مقالته، فليت دولته توقف قتل السنة وقتل العرب في منطقتنا، هذه أرض العرب – من كل الطوائف والأديان – لا أرض الإيرانيين، نحن لم نتطفل على أرضكم وجواركم بينما أنتم تعتدون وعلى الباغي تدور الدوائر.

يتهمنا ظريف بالطائفية وفي الحكومة السعودية وزير إسماعيلي وفي مجلس الشورى أعضاء شيعة، لكن في حكومة روحاني ليس هناك أي وزير سني.

عزيزي ظريف، مقالتك خير مثال على مقولة «رمتني بدائها وانسلت»، جهنم الوهابية أفضل من جنة إيران، لذلك دعنا نفكر معا كيف نخلص العالم من نظام ولاية الفقيه؟!.

() كاتب سعودي