IMLebanon

الدولة في مواجهة منطق الدويلة

 

 

تحدث ممثلو القطاعات الاقتصادية مساء أمس الأول في برنامج «صار الوقت» التلفزيوني عن تأثيرات الأزمة المالية الراهنة على قدراتهم لتأمين حاجات اللبنانيين من السلع والأدوية والخدمات الضرورية، وذلك في ظل استمرار انهيار قيمة صرف الليرة، وفي ظل محدودية التسهيلات المالية التي يُمكن أن يؤمنها مصرف لبنان لدعم عمليات الاستيراد للسلة الغذائية وبعض السلع والمواد الصناعية الضرورية لاستمرارية الانتاج المحلي. وأجمع المشاركون في الحوار على ان التسهيلات المصرفية لن تشكّل الحل المنشود، وبأن الحل الحقيقي للأزمة يكمن في قدرة الدولة على القيام بالخطوات الاصلاحية اللازمة لاستعادة الثقة المفقودة.

 

يبقى السؤال الملحّ والمحرج عن المخارج الممكنة من الأزمة العميقة الراهنة من أجل استعادة الثقة، وخصوصاً وقف التدهور المتسارع لسعر صرف الليرة، مع كل ما يتركه ذلك من تداعيات على معيشة وحياة النّاس اليومية. نحن ندرك جميعاً أن مشكلة لبنان الراهنة ليست مع الولايات المتحدة أو الغرب بصورة عامة، وهي ليست دون شك مع صندوق النقد الدولي، الذي يخوض لبنان معه مفاوضات معقدة من أجل الحصول على قروض ميسّرة. حاول الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في حديثه التلفزيوني الأخير، تصوير الأمر وكأن هناك مواجهة بين أميركا ولبنان، من خلال وضع البلد ما بين خيار التجويع أو الحفاظ على سلاح المقاومة.

 

وأعلن السيّد نصرالله نيابة عن جميع اللبنانيين بأن خياره سيبقى الحفاظ على السلاح لقتل الأميركي بواسطته، من المؤكد أن الخيار الذي ذهب إليه الأمين العام لم يأتِ نتيجة استفتاء الشعب اللبناني، والذي لا تشعر أكثريته بأنها في حالة عداء مع واشنطن.

 

فالشعب اللبناني في غالبيته يؤمن بضرورة الحفاظ على الروابط التاريخية والثقافية التي تربطه بالغرب والولايات المتحدة تحديداً ومنذ النصف الأول للقرن التاسع عشر، والتي تمت وتوسعت منذ منتصف القرن الماضي، هذا بالإضافة الى الترابط الأمني بين الدولتين، مع المساعدات العسكرية والتدريبية التي يتلقاها الجيش اللبناني وبقية الاجهزة الأمنية.

 

تبرز الحاجة عشية استعداد الأمين العام لحزب الله للادلاء بحديث جديد للتحوّط للأضرار الجديدة التي يمكن أن يتسبب بها اصراره على أخذ لبنان كرهينة من أجل خدمة مشروعه ودعم صمود حلفائه الاقليميين في مواجهتهم لنظام العقوبات الأميركية، مع آخر مستجداته المتمثلة بعملية عزل شبه تام للنظام السوري.

 

من خلال تسعير أجواء المواجهة التي إعتمدها السيد نصرالله في تصريحاته ضد الولايات المتحدة، مع دعوة لبنان للتوجه شرقاً للحصول على المساعدات والإستثمارات،يبدو بأن لبنان بات مدفوعاً لخوض أسوأ أنواع الحروب مع أقرب الحلفاء والأشقاء، مع توقع ان تكون نتائجها خطيرة ومدمرة، في ظل فشل سياسات العهد والحكومة الحالية في اعتماد الخطط الإصلاحية المطلوبة من خلال مؤتمر «سيدر» ومن قبل صندوق النقد الدولي، ويبدو أن الهواجس والمخاطر التي ستترتب على لبنان قد دفعت البطريرك الراعي ليدق ناقوس الخطر في قدّاس الأحد الماضي، فيتوجه بشكل مباشر وصريح إلى الرئيس عون طالباً «فك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني» مع السعي مع الدول الصديقة على تثبيت استقلال لبنان ووحدته.

 

يبدو بأن دعوة البطريرك الراعي لفك الحصار عن الشرعية تعني ضرورة التخلي عن جميع الالتزامات السياسية التي فرضها اتفاق مار مخايل، وما أضيفت اليها من توافقات من خلال التسوية السياسية التي سبقت انتخاب عون للرئاسة، هذا بالاضافة إلى سياسات العجز والخطب الانشائية واللجان والمستشارين، والتي أثبتت عدم جدواها من قبل الحكومة المسماة حكومة حزب الله، يأتي عجز الحكومة الكامل وترهل فريقها في وقت يجدد فيه حزب الله ثقته بها، ويؤكد بأنها باقية ولن يتخلّى عن دعمها، وهو بذلك يكافئها على انصياعها لتوجهاته في الداخل والخارج، وخصوصاً بعد تلبيتها الفورية لتوجيهاته في خياراتها الاقتصادية بفتح باب المفاوضات سبراً لمشاريع استثمارية مع خيار التوجه شرقاً الذي أعلنه نصرالله.

 

بات من الواضح بأن الحكومة تعمل كأداة طيِّعة في يد حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر، حيث أنها خاضعة كلياً في كل خياراتها لما يمليه عليها الراعيان لها سواء في التشكيلات أو التعيينات الإدارية أو في المشاريع الحيوية وعلى رأسها مشروع الكهرباء أو في توجيه علاقات لبنان الدولية والعربية.

 

في رأينا، وخلافاً لما يدعو إليه السيّد نصرالله، لا نرى ان مصلحة لبنان هي في معاداة الغرب والتوجه شرقاً، بل هي في اعتماد خطة إصلاحية للدولة وللاوضاع المصرفية، واستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على المليارات اللازمة لدعم الوضعين المالي والاقتصادي، ولكن يبدو بوضوح الآن بأن حكومة حسان دياب لا تملك الرؤية أو التفويض لتحقيق مثل هذه الخيارات بسبب ارتهانها لحزب الله وحلفائه، ولا بدّ والحالة هذه من دعوة جميع القوى السياسية والشعبية للعمل على اسقاطها وتأمين تشكيل حكومة مستقلين تملك الرؤية والتفويض للنهوض وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، والتي تستطيع في نفس الوقت لفتح قنوات الإصلاحات المطلوبة، والتي تستطيع في نفس الوقت فتح قنوات الحوار مجدداً مع أصدقاء لبنان الحقيقيين في الخليج والغرب.

 

حان الوقت لتداعي قوى الاستقلال والسيادة لتشكيل جبهة مواجهة سياسية لخيارات حزب الله وحلفائه، كخطوة أولى على طريق فك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني، تمهيداً لاستعادة لبنان لعافيته، وموقعه على المستويين العربي والدولي، وبالتالي تجنيبه السقوط ضحية أسوأ أنواع الحروب سواء في مواجهة إسرائيل أو في مواجهة نظام العقوبات الاميركي، وهكذا تصبح الدعوة لتحييد لبنان أكثر ضرورة وإلحاحاً من أي وقت مضى، كما تشكّل مدخلاً لمواجهة الدولة لمنطق الدويلة.