IMLebanon

أولوية “الحزب” “عونية” أم “مستقبلية”؟

 

هناك من يعتبر انّه في اللحظة التي يتفق فيها «حزب الله» مع تيار «المستقبل»، اي عندما يعقد تفاهماً شيعياً – سنّياً، يتخلّى عن تحالفه مع «التيار الوطني الحر»، اي يبدّي التحالف مع السنّة على المسيحيين.

دخل «حزب الله» منذ الحرب السورية في تبريد سياسي في لبنان خلافاً للسياسة التسخينية التي اتبّعها قبل هذه الحرب، وزاد حرصه على التبريد مع ارتفاع التعبئة السنّية ضدّه، وتعرُّض مناطقه لتفجيرات إرهابية، الأمر الذي دفعه إلى التراجع عن حكومة اللون الواحد، والبحث عن تسوية مع تيار «المستقبل»، وهذا ما حصل مع حكومة الرئيس تمام سلام، ومن خلال جلسات الحوار التي كانت تُعقد بين الطرفين برعاية الرئيس نبيه بري.

 

فالحزب يتجنّب اي مواجهة مع السنّة، بخاصة انّها تتجاوز بتردّداتها الساحة اللبنانية، ويسعى الى بلورة تفاهم ثابت مع «المستقبل»، والدليل حرصه على إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري حتى قبل تكليف الرئيس حسان دياب، والذي شكّل عامل تباين مع العهد الرافض عودة الحريري سوى من باب إحياء معادلة الحريري وباسيل التي لا يريدها الحريري، كما حرصه على عدم استفزاز الحريري سنّياً، على رغم وجود كتلة نيابية سنّية تدور في فلكه السياسي. ولكن، هل هذا الحرص الذي يُبديه «حزب الله» إزاء علاقته مع الحريري يجعله يبدّي العلاقة مع الأخير على علاقته مع حليفه العوني المسيحي شريكه في «تفاهم مار مخايل»؟

 

لا يجد الحزب نفسه مضطراً إلى تبدية خيار على آخر، فهو ليس في وارد فك تحالفه مع «التيار الوطني الحر»، كما انّه ليس في وارد تسخين العلاقة مع تيار «المستقبل» واستطراداً البيئة السنّية، بل يحاول التوفيق بين تحالفاته خدمة لأهدافه ومصالحه، وبالتالي مقولة انّ تقاربه مع هذا التيار سيؤدي إلى ابتعاده عن ذاك التيار ليست في محلها، بل سيحاول قدر المستطاع الحفاظ على تحالفه مع «التيار الحر» وتفاهمه مع تيار «المستقبل».

 

ولا يخشى الحزب من ان تهتز تحالفاته السنّية بسبب تقاربه مع «المستقبل»، لأنّ هذه الشخصيات قريبة منه سياسياً ولا تلتقي مع التيار الأزرق وطنياً، وهو يريدها ان تتفهّم حاجته إلى تبريد الساحة السنّية والتعاون مع الحريري سلطوياً، بعيدا عن اي تشنُّج يعمل على استبعاده، لأنّه يرتد سلباً على دوره واهتماماته.

 

ولكن الحزب يدرك في العمق انّ التفاهم مع «المستقبل» يبقى ظرفياً ومؤقتاً باعتباره محكوماً بثلاثة عوامل أساسية:

 

العامل الأول يتصل بالمزاج السنّي العام الرافض لأي تقارب مع «حزب الله» بسبب الخلاف السياسي الذي يبدأ من اغتيال الشهيد رفيق الحريري، ولا ينتهي بمشروع الحزب الذي يتناقض مع هذه البيئة، وما بينهما، الموقف العدائي من الحزب للعمق السنّي اللبناني المتمثل بدول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً.

 

العامل الثاني يتعلق بالموقف السعودي والخليجي، الذي لا يستطيع الرئيس الحريري تجاوزه والذهاب بعيداً في العلاقة مع الحزب، التي يضعها في سياق الحفاظ على الاستقرار اللبناني، وبالتالي ستبقى ضمن هذه الحدود، في ظل الموقف الثابت من الحزب سنّياً وخليجياً.

 

العامل الثالث يرتبط بالموقف الدولي وتحديداً الأميركي، الذي يصنِّف «حزب الله» منظمة إرهابية. ومعلوم انّ الحريري يقيم وزناً لشبكة علاقاته الخارجية، التي لا يريد التضحية بها على مذبح العلاقة مع حزب هو بحاجة للحريري لا العكس، لأنّ اي حكومة مدعومة من الضاحية ستكون معزولة عربياً ودولياً، والحكومة المستقيلة خير شاهد على ذلك.

 

ولكن، علاقة «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر»، إلى ما قبل العقوبات الأميركية على رئيسه النائب جبران باسيل، كانت ثابتة واستراتيجية، ولم تكن تتأثر على غرار «المستقبل» بالبيئة المسيحية والعمق الخارجي، لأنّ ما خسره التيار شعبياً بسبب هذا التحالف قد خسره، ولم يكن يخشى أيضاً من الموقف الخارجي، بل يعتبر انّ العلاقة مع الحزب تشكّل المعبر نحو السلطة، وهو ليس في وارد خسارة هذا الجسر الذي امتحنه من تشكيل الحكومات، إلى الانتخابات النيابية والرئاسية.

 

وتشكّل العلاقة بين الحزب والتيار العوني أفضل تجسيد للمقايضة بين الطرفين، بين من يبرر دور سلاح الحزب ويغطيه، وبين من يستخدم الفيتو الشيعي تحقيقاً لمصالح شريكه المسيحي سلطوياً، فهناك مصلحة متبادلة بين الطرفين. فلا التيار في وارد الاستغناء عنها في غياب البديل، ولا الحزب لديه مصلحة بتبدية التحالف مع «المستقبل» الذي يتأثر بالعوامل الداخلية والخارجية التي لا يتأثر بها التيار الحر.

 

ولكن ماذا بعد العقوبات الأميركية على باسيل؟ وهل يمكن لـ»التيار الوطني الحر» ان يعيد النظر بعلاقاته مع «حزب الله» على أثر هذه العقوبات التي نقلته من مرحلة عدم المتأثِّر بالموقف الخارجي إلى المتأثِّر به مباشرة؟ وهل يمكنه التخلّي كلياً عن الحزب؟ وما الضمانة السلطوية له إن فك ارتباطه مع حارة حريك نهائياً؟

 

ولا شك بأنّ العقوبات قد فعلت فعلها، وستجعل رئيس التيار والهيئة القيادية في هذا الفريق تفكِّر ملياً بالأمر، تجنّباً لمزيد من العقوبات تنعكس على وضعية هذا الفريق في الداخل والخارج، ولكنه في الوقت نفسه لن يتخلّى عن تحالف يؤمّن له ثلاثة أهداف أساسية: منع عزل رئيس الجمهورية وإسقاطه، منع انتخاب رئيس للجمهورية من دون التفاهم معه، منع الاستقواء عليه وتوجيه الضغوط باتجاهه في تأليف الحكومة، وغيرها من الاستحقاقات والملفات.

 

ويتعامل «التيار الحر» مع الحزب على طريقة المثل القائل «عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة». حيث انّ العلاقة مع المجتمع الدولي لا تُصرف في أي مكان سلطوياً، خلافاً للعلاقة مع الحزب، وبالتالي سيحاول من الآن فصاعداً، التوفيق بين عدم استفزاز أميركا، وبين الحفاظ على العلاقة مع حارة حريك، خصوصاً انّ الطرف الأخير ما زال يشكّل جزءاً أساسياً من ميزان القوى الداخلي، وليس من مصلحته فك الارتباط معه نهائياً.

 

ويستفيد «حزب الله» في المقابل من إقفاله الساحة الشيعية، عن طريق تحالفه مع حركة «أمل»، من أجل ان يشكّل حاجزاً أمام من يريد الدخول إلى القصر الجمهوري والسرايا الحكومية، فيستفيد إذاً من هذا الحاجز الذي يحوِّله إلى لاعب سياسي أساسي، لا يمكن تجاوزه في الاستحقاقات الأساسية، وهذا الحاجز يصعب القفز فوقه سوى في ثلاث حالات ما زالت غير متوافرة: فك الارتباط بين الحزب والحركة، الأمر الذي ما زال مستبعداً كي لا نقول مستحيلاً، بروز قوة شيعية ثالثة، ولا يبدو انّ الظروف متوافرة لقوة من هذا النوع، انهيار وضعية الحزب الشعبية، الأمر المستبعد كلياً في الوقت الراهن.

 

فلكل هذه الاعتبارات وغيرها، لا يجد تيار «المستقبل»، الساعي إلى تأليف حكومة، ولا «التيار الوطني الحر»، الساعي إلى أدوار سلطوية، سوى التفاهم مع «حزب الله» من باب المصلحة. ولن يبدّي الحزب التفاهم مع «المستقبل» على «التيار الحر» او العكس، إنما سيتعامل مع الإثنين بمقدار مصلحته واستراتيجيته.