IMLebanon

هي حكومة «حزب الله»!

 

من لا يتذكّر كيف تمّ تكليف الرئيس حسّان دياب. كيف أُخرج من سلّة فريق السلطة. وبعيداً عن الجدل، عمّا إذا كان من اختيار الوزير جبران باسيل، كما يروّج من يدورون في فلك عين التينة، أو إذا كان من اختيار الرئيس نبيه بري. فالرجل كما روّج لنفسه، وقف، وواجه، وتصدّى لكلّ الأسماء السياسية أو التكنوسياسية، وظهر وكأنّه يفرض مشيئته، وأنّه هو من يشكّل الحكومة، لتأتي تسريبات الأسماء، سبقها موقف السيد وليد جنبلاط عن أنّ النائب اللواء جميل السيّد أصبح ممن يشكّلون الحكومات، ليعني شيئاً واحدا، أنّ دياب يظهر بمظهر «الحمل» الذي يؤاخي الشارع، فيما هو ذاك «المُخَاتِل» الذي يلعب على مشاعر الشارع.

 

 

كان لافتاً في الأيام الأخيرة تعليقات الديبلوماسيين والسفراء وتحذيراتهم، وخروجهم عن لغتهم الديبلوماسية، وأبرزهم المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، الذي ينتقد السياسيين اللبنانيين بشدة، والحرص الذي تبديه البلدان الغربية والمجتمع الدولي تجاه عدم سقوط لبنان في المحظور، والمعلومات عن تحرّك السفراء باتجاه رموز السلطة في لبنان، من رأس الهرم إلى كل القوى المعنية بتأليف الحكومة، واعدين بتقديم مساعدات وعدم السماح بانهيار البلد وسقوطه، شرط تشكيل حكومة تكنوقراط من مستقلّين، تأخذ ثقة الشارع.

 

الغيرة الدولية على لبنان، لم تقابلها غيرة مماثلة من أهل الحكم في البلد، فغرقوا في المراوغة منذ تكليف دياب، ليصلوا أول من امس الى تسريب تشكيلة قالت عنها «القوات اللبنانية» إنّها تعيدنا الى الزمن السوري، فيما رفضها «تيار المردة» لكونها تحمل توقيع الوزير باسيل وله فيها الأغلبية. وبعد التدقيق في الأسماء، ظهر ما كان خفياً، وبات شبه مؤكّد، أنّه في حال تمّ التصديق على هذه التشكيلة، وهو امر بات مستبعداً في الأيام المقبلة نظراً للعراقيل التي تواجهها، أقل ما يُقال فيها إنّها ستكون نافرة، ومن لون واحد، وبتعبير مرادف، حكومة «حزب الله».

 

لماذا؟ المؤشرات الى ذلك كثيرة.

 

أولاً، وصل دياب بأغلبية 69 صوتاً من الحزب وحلفائه. ومنذ تسميته، يصرّ دياب على عدم الاعتذار، كلّما انتُقد أو هوجم من بيته الداخلي، وتحديداً من بري وباسيل، وهو أمر يؤكّد أنّ الرجل يتكّئ على سند صلب، ولولا هذا السند لكان اعتذر ألف مرة قبل صياح الديك لا ثلاث مرات.

ثانياً، زاد الشكوك في أولى أيام «أسبوع الغضب»، غياب القرار السياسي للقوى العسكرية بفتح الطرقات والسماح بقطعها، ما فسرّه البعض مكيدة من فريق السلطة للظهور بمظهر غير الراضين على الرئيس المكلّف، والراغبين بإعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال، لدفع المنتفضين الى القبول بأي حكومة يشكّلها دياب.

ثالثاً، لقاء بري – باسيل المفاجئ في 14 الحالي، ليخرج باسيل بعد الظهر ويقول: «أردنا ان نعلن موقفاً متقدّماً ولكن»… معطوفاً على موقف رئيس المجلس الذي لم يوفّر الرئيس المكلّف من انتقاداته والمطالبة بحكومة تكنوسياسية، عوامل أشارت، أولاً، الى انّ كلمة السرّ أُعطيت من «حزب الله» بتعويم حكومة دياب، وثانياً، الى «التقية» السياسية التي يستخدمها «التيار الوطني الحر» في الملف الحكومي، فلا يقول علناً ما يضمره سراً.

رابعاً، حديث وليد جنبلاط من عين التينة عن انّ جميل السيّد أصبح ممن يشكّلون الحكومات في لبنان، في ايحاء الى الدور السوري في عملية التشكيل.

خامساً، معلومات تسرّبت عن زيارة الرئيس المكلّف سوريا فور تسميته رئيساً مكلّفاً.

سادساً، كيف لمن يدّعي «الاستقلالية» أن يقبل بأن يكون «منتخباً» بأصوات فئة محدّدة في البلد؟

سابعاً، كيف يُفسّر إطلاق النار في الضاحية لحظة تسمية دياب رئيساً مكلّفاً؟

ثامناً، تحدث دياب لحظة وصوله عن حوار مع كل الأفرقاء، وأنّ التمثيل سيشمل الحراك أيضاً، فيما الكل يتذكّر كيف من ادّعوا تمثيل الحراك تسللوا خلسة الى منزل الرئيس المكلّف، وجدّد الحراك وقتذاك تأكيده انّ أحداً لا يمثله. في المقابل، مع من سيتحاور دياب، اذ أعلنت القوى السيادية، أي «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» و«التقدمي الاشتراكي» وحزب الكتائب عدم مشاركتها في الحكومة. هل الحوار يكون مع من سمّاه وأيّده رئيساً مكلّفاً؟

ربما كان في استطاعة «حزب الله» أن يتجنّب تركيبة نافرة ومستفزة وتضمّ اختصاصيين فعليين ولكن مستقلّين، بدل الموافقة على اختصاصيين سمّاهم الحزب وحلفاؤه، في محاولة للعب والالتفاف على مطالب الناس والمنتفضين والمجتمع الدولي. لكن يبدو انّ قرار تعويم هكذا حكومة يتخطّى الحدود اللبنانية، لأنّها في هذه المرحلة تضمن:

أولاً، عدم التعرّض للمشروع الإيراني في لبنان، وتشكيل مظلة حماية لـ«حزب الله» ومشروعه.

 

ثانياً، عدم خسارة طهران ملعباً آخر على المسرح الإقليمي، بعد فقدان التأثير في سوريا، والخسارة الكبيرة لرأس مشروعها الحربي في المنطقة أي قاسم سليماني.

ثالثاً، لن تتجرأ هكذا حكومة على اتخاذ أيّ إجراءات تسدّ المنافذ الحيوية للحزب، والتي تؤمّن له مردوداً مالياً امام العقوبات المتشددة عليه.

رابعاً، لن تذهب الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، واذا حصل، يكون وفق قانون النسبي ولبنان دائرة واحدة.

 

خامساً، إنّ وجود دياب على رأس أي حكومة بات محسوماً، فهو على الأقل، لا «يكسر» قرار نصرالله بالاستقالة أو عدمها، على غرار ما فعله الرئيس سعد الحريري.

بالموازاة، تؤكّد لغة الشارع التصعيدية، أنّ الانتفاضة واعية لما يُحاك. فهي منذ البدء، إما كانت حذرة في قبول دياب وفق شروط محددة، او كانت رافضة له، وفي الحالتين، وبعدما تبدّدت الغيوم اليوم، يبدو أنّ الانتفاضة عادت وبقوة أكثر هذه المرة، للتأكيد مجدداً انّ هذه السلطة من رأس الهرم إلى اصغر حاجب فيها فقدت مشروعيتها، ويجب تغييرها.

أما عملية التغيير فتصادفها مصاعب، مما يفرض على الانتفاضة توحيد الرؤى، وتقوية بنيتها التنظيمية، وعملية التواصل والتنسيق، لأنّ لا مجال لتحقيق اي تغيير من دون تنظيم، وهو ما برهنته الأشهر الثلاثة من الانتفاضة. وبهذا، يصبح من السهل وضع استراتيجية حلّ، أولى بنودها إنقاذ الوضع المالي والاقتصادي، الذي من أبرز مسبّباته، وجود ميليشيا تستفيد من موارد السلطة وسلاح يقوّض قيام الدولة.