IMLebanon

أي لبنان يريد؟ أي لبنان نريد؟

 

 

سيبقى قائماََ سؤال “أي لبنان نريد؟” الذي طرحه لبنانيون كثيرون منذ اندلعت “ميني ثورة” 1958 وتكرر في محطات دموية عاشها لبنان المستقل، وحالت دون ان يرسو الكيان وصيغته على شاطئ أمان.

 

كان السؤال فائق الجدية وصرخة مدوية ذهبت هباء في برّية النزعات الشعبوية التي ضربت طوائف، والطموحات والأوهام التي راودت أحزاباً ومنظمات، ولم يكن الجواب سوى تخوين وانخراط بمشاريع تتجاوز قدرة لبنان على تحمل الصراعات. أما النتيجة فهي ما ذقنا وعلمنا: حروب تناسلت احتلالات وصلت قمة مفاعيلها هذه الأيام إلى انهيار أودى بالمواطنين الى أسفل الدركات.

 

“أي لبنان نريد؟”. كان دعوة لأي فريق آخر الى النقاش بغية التوافق بين مختلفين على الهوية وشكل النظام ودور الدولة. وإذ ان الحوار لم يحصل بهدوء وسلام بين متحضّرين، فإنه تمَّ في النهاية تحت ضغط المدافع وانكسار التوازن إثر مغامرة “حرب التحرير”، فكان “اتفاق الطائف” الذي ارتضاه الجميع، ليس لوقف الحرب فحسب، بل أيضاً لبناء الدولة وليشكل بدستوره مرجعاً لفض النزاعات عبر المؤسسات.

 

كان الطائف، بعُرف أهله، سقفاً نهائياً أجاب عن اسئلة وجودية أساسية وفتح الباب نحو التطوير. لبنان عربي، جيشه واحد، نظامه ديموقراطي برلماني، وتداوُل السلطة شأن بديهي. لكن السَكرة راحت باغتيال مَن جسَّد تلك المبادئ، فخسر لبنان بغياب رينيه معوض نقطة التوازن الداخلي والاقليمي والدولي، وبدأ الانقلاب السوري على الطائف مؤسساً نظاماً أمنياً ومنظومة سلطة بدل دولة القانون.

 

بوراثة الانقلاب في 2005، أضاف “حزب الله” لمْستَه على التركيبة الهجينة، ثم وضع قبضته على بقايا الدولة، فصار السؤال اليوم: أي لبنان يريد؟ وهو أخطر بكثير من السؤال الأصلي الذي أجيب عنه بواقعية ومنطق أعادا توزيع الحصص ومراكز القرار، آخذاً في الاعتبار المتغيرات الدولية والاقليمية ومتطلبات الديموغرافيا وميزان القوى الداخلي. وما يريده “الحزب” أساسه موجود في أدبياته وخصوصاً في كتابات الشيخ نعيم. ولم تعدله مشاركته في الحياة السياسية برلماناً وحكومة، إذ انها لم تدخله تحت سقف الدولة، بل استدخلها في ممارساته لتصير رديفاً لقوته المتنامية التي تحوّلت بعد تحرير الجنوب، أداة للمغالبة الداخلية من جهة، ولأداء أدوار اقليمية حمَّلت كل لبنان تبعات، آخرها الأزمة مع الخليج.

 

ما قبل اعلان الامين العام لـ”حزب الله” امتلاكه مئة ألف مقاتل “جاهزين لطحن الجبال” ليس كما بعده على الاطلاق. تلك كانت رسالة الى الخارج والداخل بأن الدستور والدولة دخلا عالم الأموات، وبأن الحزب لم يعد يريد أي غطاء لرغبته في الامساك بكل البلاد. الرئاسات والانتخابات والسيادة تفاصيل في خدمة المشروع الاقليمي، وطارق البيطار “إبن دولة” مصيره “القبع”. أما عمق لبنان العربي ومصلحة مئات الآلاف من أبنائه فأهمُّ منهما “كرامة” القرداحي لأنها فوق كل اعتبار.

 

مشروع “حزب الله” للبنان مفتوح لا يحدُّه سقف دستور أو قانون. هو يخبرنا يومياً “أي لبنان يريد؟”، لكنه أعجز من إلغاء سؤال “أي لبنان نريد؟”، ومِن فرض إجابات بالنيابة عن كل لبنان.