IMLebanon

من يحاسب «حزب الله»؟

 

القراءة التحليلية لخلفية تراجع الثنائي الشيعي عن قراره تعطيل جلسات مجلس الوزراء ضرورية، خصوصاً انّ هدفه المعلن من التعطيل لم يتحقّق، والمتعلِّق بإلزام الحكومة التدخّل لدى القضاء لكفّ يد القاضي طارق البيطار. ولكن، قبل هذه القراءة، لا بدّ من محاسبة أمام الرأي العام لمن شلّ الحكومة وفوّت على اللبنانيين فرصة فرملة الانهيار.

 

من حقّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ان يهلِّل لقرار الثنائي الشيعي الإفراج عن حكومته التي عطّلها الثنائي، بعد أسابيع قليلة على انطلاقتها، ولكن هل سأل رئيس الحكومة الحزب لماذا قرّر فجأة تعطيل الحكومة ومن ثمّ الإفراج عنها؟ وهل انتزع رئيس الحكومة الضمانات المطلوبة من الحزب بعدم العودة إلى نهج التعطيل؟ وهل يضمن رئيس الحكومة ألّا يعود الحزب إلى التعطيل مجدداً؟ وكيف يسمح مطلق أي فريق سياسي لنفسه أساساً ان يشلّ مؤسسة من مؤسسات الدولة ومن ثم يُفرج عنها وكأنّ شيئاً لم يكن؟ وهل يجوز التعامل مع خطوة الثنائي بالتهليل أم انّ المطلوب فتح باب المحاسبة والمساءلة بسبب ما تكبّده لبنان من خسائر من جراء القرار التعطيلي؟ وهل عجلة البلد ومصالح الناس تتوقّف لأنّ هذا الحزب قرّر الابتزاز وإخضاع الجميع لشروطه، وذاك التيار قرّر وضع الجميع أمام الأمر الواقع الذي يريده؟ وهل من خطة لرئيس الحكومة ومعه القوى السياسية الحريصة على البلاد، لمواجهة سياسة التعطيل في حال تجدّدت مع فريق يشكّل التعطيل نهجاً متأصّلاً في نهجه وممارسته؟ وهل الرأي العام سيحاسب في صناديق الاقتراع من أفقره وبدّل في نمط عيشه وحوّل وطنه إلى مساحة غير قابلة للعيش؟

 

فلا يجوز ان يبقى لبنان رهينة هذا الفريق او ذاك، ولا يجوز ان يبقى مصير الناس معلّقاً على مزاج هذا الحزب أو ذاك. فإذا استيقظ منزعجاً يعطِّل البلد، وإذا استفاق منشرحاً يُفرج عن البلد. وما حصل أخيراً في شلّ الحكومة هو جريمة بحق لبنان وخطيئة بحق اللبنانيين، ومن غير المسموح ولا المقبول ان تمرّ مرور الكرام، من دون محاسبة او أقلّه تعهُّد من قِبل المسؤولين وفي طليعتهم رئيس الحكومة، بعدم الخضوع لسياسة التعطيل، خصوصاً انّ الميثاق اللبناني يمنح المسيحيين أو المسلمين حصراً حق الفيتو، ولا وجود إطلاقاً للفيتو الماروني او السنّي او الأرثوذكسي أو الشيعي او الكاثوليكي او الدرزي، وبالتالي، الفيتو هو فيتو مسيحي او مسلم، وما يقوم به «حزب الله» هو مخالف للدستور ومحاولة لتكريس أعراف جديدة لا تمُّت إلى الديموقراطية التوافقية بصلة.

 

فما حصل مع التعطيل الأخير للحكومة لا يجوز ان يتكرّر مهما كان الثمن، لأنّ مصير وطن وشعب لا يجوز ان يكون رهن أجندة فريق سياسي ومصالحه، فإذا قرّر تعطيل الحكومة يعطّلها، وإذا قرّر الإفراج عنها يُحرِّرها، وكأنّ لا دستور ولا قوانين ولا انتظام للمؤسسات وعملها، وبالتالي ما حصل يشكّل أكبر إدانة لهذا الفريق السياسي الذي يجب ان ترفض كل القوى السياسية مواصلة العيش معه تحت سقف السلطة التنفيذية، ويفترض ان تكون الصورة لديها أصبحت واضحة، فإما ان تحكم من دونه، أو فلتتركه يحكم وحده، ولكن هذا التعايش المهزلة لا يجب ان يستمر ويتواصل كونه يمنح الغطاء لهذا الفريق التعطيلي.

 

فهل يُعقل التعاطي مع الناس بهذه الخفة وفي مرحلة تشهد انهيارات مالية متواصلة؟ وهل يُعقل ان تعاود الحكومة اجتماعاتها وكأنّ التعطيل الذي شهدته كان نتيجة ظروف مناخية او تدخُّل أجسام فضائية؟ وهل يُعقل ان يبقى مفتاح المؤسسات في حارة حريك بدلاً من أن يكون في صلب الدستور وفي قلب المؤسسات؟ وإلى متى السكوت عن هذا الواقع الذي شلّ البلد ويشلّه وعطّل الدولة ويعطّلها وعزلَ لبنان ويعزله؟ ومن يضمن ألّا يتكرّر مشهد التعطيل المتواصل، منذ ان سلّم النظام السوري حليفه الإيراني مفاتيح القرار السياسي على إثر خروجه من لبنان في العام 2005؟

 

وأهضم ما في البيان الذي أصدره الثنائي الشيعي، وضع عودته للمشاركة في جلسات الحكومة تحت عنوان «الاستجابة لحاجات المواطنين ومنعاً لاتهامه بالتعطيل»، فأين كان حرصه على استجابة هذه الحاجات في كل الفترة التي كان يعطِّل فيها الحكومة والتي لم يعرف لبنان مثيلاً كارثياً لها؟ وماذا يمكن ان يُسمّى عمله التعطيلي بتسمية أخرى طالما انّه يرفض اتهامه بالتعطيل؟ وكيف يمكن توصيف شلُّه لمجلس الوزراء بغير التعطيل؟ وهل من المسموح ان تشيد بعض القوى بحكمة قراره وقف التعطيل؟ وأين الحكمة في قراره التعطيلي أساساً؟ وهل من سأله لماذا عطّل ولماذا تراجع عن تعطيله؟

 

وأصحاب الاختصاص في مجالي المال والاقتصاد مطالبون بجردة دقيقة حول الخسائر التي مُني بها الاقتصاد اللبناني جراء التعطيل الأخير، من أجل ان يطالب الشعب اللبناني الثنائي الشيعي بالتعويض عليه وعلى البلد، لأنّ غياب المحاسبة حوّل البلد إلى غابة ومزرعة ومشاع، وما ينطبق على «حزب الله» ينسحب على حليفه «التيار الوطني الحر»، الذي «تميزّت» ممارسته بالتعطيل والتفريغ وشلّ الحكومات، وتباينه عن الحزب أمس هو مجرد استثناء بسبب خلافهما السلطوي، فيما القاعدة كانت ان يعطِّل الحزب الدولة لمصلحة التيار.

 

ومن هذا المنطلق، لم تعد أنصاف الحلول مقبولة، كونها أوصلت البلد إلى الانهيار والفشل والعزلة، وبالتالي حان الوقت لمواجهة سياسية حقيقية تنطلق مع الانتخابات النيابية ورفض تأليف اي حكومة مع الفريق المعطِّل وإنهاء كل الممارسات المخالفة للدستور بدءاً من الفيتو المذهبي، مروراً بهرطقة تخصيص حقائب وزارية لمكونات مذهبية وسياسية، وصولاً إلى تشكيل حكومة أكثرية، والشروع في تطبيق الدستور بعيداً من الاستنسابية وتدوير الزوايا، ولكن الأساس يبقى في ان يقول الشعب كلمته.

 

ولا أحد يتعامل مع الانتخابات وكأنّها نهاية المطاف وما قبلها غير ما بعدها، إنما كمحطة نضالية ومواجهة أساسية لتعبئة الناس بحدّها الأقصى، بعد النماذج السيئة التي لمستها وآخرها تعطيل الحكومة، وذلك من أجل ان تشكّل الانتخابات فرصة لتحسين ظروف المواجهة من داخل المؤسسات مع الفريق الخاطف للدولة والمعطِّل لها والمغطي له، والاستفادة من الدينامية الشعبية من أجل استجلاب التدخُّل الدولي لتطبيق الدستور والقرارات الدولية وإعلان حياد لبنان، ومنع طهران من مواصلة استخدامها لبنان كساحة من ساحات نفوذها ومواجهتها، والتدخّل الدولي أكثر من مطلوب، ليس لتغليب وجهة نظر داخلية على أخرى، لأنّ الخلافات الداخلية تُعالج بالاحتكام للدستور، إنما من أجل رفع اليد الإيرانية عن لبنان على غرار رفعه في العام 2005 اليد السورية عن لبنان.

 

وفي حال لم تحقِّق الانتخابات النتائج المطلوبة، ولم تشكّل الدينامية المتوقعة على خط التغيير المطلوب، فيجب الانتقال إلى وسيلة أخرى للمواجهة السياسية، لأنّ الوضع اللبناني لم يعد يحتمل المراوحة القاتلة والانتظار وسط الانهيار. وللبحث صلة.