IMLebanon

«حزب الله» والنازحون: هكذا «تُطبخ» العودة

 

إنتقل «حزب الله» من المقاربة السياسية لملف النازحين السوريين الى المعالجة العملية له، بعدما وضع يده على هذا الملف وأنشأ فريق عمل لمتابعته بإشراف النائب السابق نوار الساحلي.

من المعروف انّ «الحزب» يذهب الى النهاية في القضايا التي يأخذها على عاتقه، ما سَمح له بتجميع رصيد كبير من الصدقية لدى أنصاره وخصومه على حدّ سواء، فهل سيكسب الرهان مرة أخرى ام انّ مهمته الجديدة ليست مضمونة النتائج بفِعل تعقيدات قضية النازحين؟

ما يبدو واضحاً حتى الآن هو انّ «الحزب» مصمّم على توظيف نفوذه الداخلي وعلاقته المميزة مع القيادة السورية لتأمين العودة الطوعية والآمنة لمَن يشاء من النازحين السوريين الى وطنهم، في أقصر وقت ممكن. بالنسبة إليه لا «عودة» الى الوراء في هذا التحدي، والأرجح انه ما كان ليُبادر أصلاً الى التصدي له لو لم يكن واثقاً في قدرته على مواجهته، وامتلاك الادوات اللازمة لتحقيق خرق حقيقي في جدار أزمة النزوح.

وعلى هذه القاعدة، إستحدث «الحزب» مكاتب في مناطق تواجده، وطلبَ من النازحين الراغبين في مغادرة لبنان تسجيل أسمائهم لديها بعد ملء استمارات شخصية تمّ الانتهاء من إعدادها قبل ايام قليلة وتوزيعها على تلك المكاتب، وهي شبيهة بتلك المعتمدة من قبل «الامن العام».

وفي المعلومات انّ قرابة 800 نازح سجّلوا أسماءهم خلال الايام الاربعة الماضية وملأوا الاستمارات المطلوبة، على أن يتولى «الحزب» لاحقاً التواصل مع الاجهزة المعنية في الدولة السورية لترتيب عودتهم، بالتنسيق مع «الأمن العام».

وعُلم انّ نازحين من المعارضين سياسياً للنظام السوري تواصلوا ايضا مع المكاتب المُستحدثة واستفسروا حول إمكانية عودتهم، فأبلغهم «الحزب» انه سيناقش الامر مع دمشق وسيسعى الى تسهيل رجوعهم من دون التعرّض لهم، على أن يؤخذ في الاعتبار ضرورة ان يكون هؤلاء من غير مُرتكبي الجرائم والاعمال الارهابية، بحيث يمكن إجراء تسويات او معالجات للمخالفات المنسوبة اليهم (الهروب من الجندية وما شابَه).

واللافت انّ «الحزب» تلقى كذلك اتصالات من مناطق شمالية غير محسوبة عليه، مثل عكار وغيرها، يستوضح أصحابها آليّة العودة، وهو يدرس حالياً كيفية التنسيق معهم، خصوصاً انه لا توجد مكاتب له في تلك الاماكن.

ويتوقع «الحزب» ان تتم خلال شهر، او اكثر بقليل، عودة الدفعة الاولى من النازحين برعايته المباشرة ووفق الآلية التي وضعها، وهو يعوّل كثيراً على إتمام هذه الخطوة ضمن رحلة الألف ميل، ويضع ثقله لإنجازها بسلاسة، لأنّ من شأن نجاح تجربة هذه الدفعة تحديداً ان يشجّع الآخرين على سلوك المسار ذاته والتجاوب مع مبادرة «الحزب»، علماً انّ هناك توقعات في أوساطه بأن يرتفع منسوب إقبال النازحين على تسجيل اسمائهم بشكل تدريجي في المرحلة المقبلة.

وفيما اعترضت بعض القوى الداخلية على مبادرة «حزب الله» ووضَعتها في سياق «نَهجه القائم على مصادرة مسؤوليات الدولة وواجباتها»، بادَرت جهات دبلوماسية دولية الى الاتصال به بعيداً من الاعلام لاستيضاح خلفيّات قراره بالمساهمة في رجوع النازحين الى سوريا، والاستفسار منه حول طبيعة الآلية التي يعتمدها لهذا الغرض. وعُلم انّ لائحة طالبي الايضاحات ضَمّت حتى الآن الامم المتحدة وعدداً من السفراء، الذين تبلّغوا من «الحزب» انه أطلق مبادرته على قاعدة تأمين العودة الطوعية والآمنة بعدما عاد الامن والاستقرار الى مساحات واسعة من سوريا، وبالتالي فهو لا يفرض شيئاً على أحد بل يساعد من يرغب في أن يعود الى وطنه.

أمّا مقولة الحلول مكان الدولة في ملف النازحين، فإنّ «الحزب» يعتبرها فاقدة لأي معنى من الاساس، لأنّ الدولة غائبة اصلاً وممتنعة عن تأدية ما هو مطلوب منها في ملف دقيق ومصيري من الدرجة الاولى. وبالتالي، فهي ليست موجودة عملياً على هذا الصعيد، حتى يأتي من يزيحها ويأخذ مكانها. وعليه، يرى الحزب أنه ملأ فراغاً قائماً ومتمدداً، تماماً كما فعلَ في السابق إزاء استحقاقات اخرى لم تكن تتحمّل المضي في سياسة الانتظار العبثي. ولو انه لم يتخذ الآن القرار المناسب قبل فوات الأوان، لكانت إقامة النازحين في لبنان قد اصبحت مُستدامة، وسط إصرار البعض على المكابرة والاستمرار في رفض الحوار مع دمشق، على رغم انه يخدم المصلحة اللبنانية قبل السورية.

وتشير أوساط «الحزب» الى أنه لو اراد أن «ينتظر» الدولة لَما تحررت الارض المحتلّة عام 2000، ولَما اندحرت أخيراً الجماعات الارهابية، والسيناريو إيّاه يتكرر حالياً مع قضية النازحين، «والأكيد أنه متى حضرت الدولة في اي ساحة من الساحات، سنكون من اكبر المسرورين بعودتها وأكثر المساهمين في دعمها».