IMLebanon

“حزب الله” و”صندوق النقد”: نقبل به… à la carte

 

غالب الظنّ أنّ “حزب الله” لم يكن ليدرك سلفاً مدى قدرة حكومة حسّان دياب على الصمود، لا سيما حين يكشّر الكارهون، وهؤلاء ليسوا دوماً من صنف الخصوم، أنيابهم بوجهها. ولم يكن ليعرف مسبقاً كيف ستتعامل مع الاستحقاقات الكبيرة الموروثة عن سابقاتها، وتحديداً تلك المالية منها، قبل الصحية والاستشفائية.

 

لعلّ تقديرات “القابلات السياسية” لحكومة “اللاحزبيين”، كانت تتأرجح على حافة مصير محتّم: ستقع عند أول مطب ستواجهه، وستكون أضعف من التصدي لأي انتقاد قد يطالها، فكيف بالحري حين تتكتّل معظم القوى السياسية ضدّها؟

 

تركت القوى السياسية التي تناوبت على السلطة طوال عقود من الزمن، كراسيها ومواقعها لحكومة “النص نص”. لا هي مستقلة بالكامل ولا هي سياسية بالمطلق. وحدها قوى الثامن من آذار قررت حمايتها ومنحها ثقتها. تجربة جديدة من نوعها، لجأت اليها التركيبة الحاكمة في لحظة تفجّر البركان الشعبي، لتتخذ منها “كيس رمل” يحميها من غضب الناس ومن حجارتهم. وها هي اليوم تقترب من الاختبار الأصعب.

 

الكل متفق على أنّ الخزينة العامة مديونة وأنّ خزنات المصارف الخاصة مفلسة. والخلاف هو حول كيفية التعويض على المودعين، صغاراً وكباراً. كيف ستتوزع الخسائر؟ من سيتحمل الكلفة الأكبر؟

 

لم تعد المسألة المالية بنداً عادياً على جدول أعمال مجلس الوزراء، صارت مسألة وجودية، من شأنها أن تغير المشهد السياسي برمته. أن تنجح الحكومة في مهمتها أو أن تفشل فتلك قضية مفصلية. وفي الحالتين ستدفع القوى السياسية ومنظوماتها المالية، الثمن. ولهذا ستواكَب الخطة المالية المطروحة على طاولة مجلس الوزراء، بحرب شرسة سيشارك فيها كل المتضررين من أي اجراء ستقرّه الحكومة.

 

بهذا المعنى، شمّر “حزب الله” عن ساعديه وقرر الغوص في مستنقع الأزمة المالية. خلال حكومة سعد الحريري الأخيرة، كانت مشاركة “حزب الله” محصورة بما يقبل أو لا يقبل به. أي الاكتفاء بوضع خطوط حمراء لما لا يجوز تمريره، والقليل من الملاحظات على ما يمكن للحكومة اقراره. في هذه اللحظة التي تقوم بها الحكومة “بنفض” كامل المالية العامة وقواعدها الاقتصادية، باتت مشاركة “الحزب” أكثر عمقاً.

 

في اطلالته الأخيرة، استفاض نائب الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم بالمسألة الاقتصادية، وهو المسؤول عن المتابعة مع وزراء “الحزب” ونوابه، في شكل يثبت وجود خطة شبه منجزة باتت في جعبته، ويفترض أن يقدمها قريباً للرأي العام فور الانتهاء منها. عملياً هي المرة الأولى التي يجمع فيها “حزب الله” أفكاره الاقتصادية والمالية ضمن رؤية واضحة، بعدما كانت مواقفه تقتصر على ما يعرض أمامه من اقتراحات ومشاريع تتولى الحكومات صياغتها. وها هو ينتقل إلى خطوة جديدة في مسيرة انخراطه في العمل الحكومي والدولتي، بعدما لامست الأزمة الاقتصادية حدود الاطاحة بالاستقرار الداخلي.

 

ومع ذلك، يحاذر “حزب الله” التعاطي مع رؤيته الاقتصادية بشكل استباقي لعمل الحكومة. في الأساس، لم تنتظر القوى المعارضة أن يقول “الحزب” ما لديه من أفكار في هذا المجال، بل سارعت الى استخدام عنوان “حزب الله”، المثير للجدل بطبيعته، في حملتها ضد الحكومة تحت عنوان أنّ “الحزب” يستعد لوضع يده على القطاع المصرفي بسبب الانتقادات التي وجهت أحياناً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

 

ولهذا يتمهّل “حزب الله “في تقديم أفكاره ويفضل مناقشة الحكومة في خطتها بناء على رؤيته، خصوصاً وأنّ رئيس الحكومة يحرص على التأكيد على أنّ ورقة الحكومة ليست “منزلة” لا بل هي مسودة قابلة للنقاش والتعديل، بناء على اقتراحات مكوناتها وكل القطاعات المعنية بها، لا سيما المصارف، للوصول إلى صيغة مشتركة تكون بمثابة خطة تُحمل إلى الدائنين الأجانب لاقناعهم بإعادة هيكلة الدين الخارجي.

 

وانطلاقاً من القاعدة ذاتها، تدرّج “حزب الله” في موقفه من صندوق النقد الدولي الذي يحتاج لبنان الى سيولته، من الرفض التام إلى القبول المشروط. إذ يتضح من المعنيين بالملف الاقتصادي أنّ ممانعة “حزب الله” لا تتصل بولاءات صندوق النقد وبالخشية من وصاية سياسية، بقدر ما تتصل بشروطه التي قد تدفع بالبلد إلى القعر. يقول هؤلاء إنّه عادة ما يفرض الصندوق وصفة جاهزة لا تميّز بين دولة وأخرى، لأنّ كل ما يهمه هو كيفية استعادة أمواله بطريقة مضمونة، حتى لو كلف الأمر تجويع الناس وتدفيع الطبقات الفقيرة، الثمن الباهظ.

 

ولذا تترك للحكومة تحديد الخطة الملائمة للوضع اللبناني وعرضها على صندوق النقد الدولي لطلب المساعدة على أساسها، وليس وفق دفتر شروط الأخير. حتى الآن، تتصرف الحكومة على أساس أنّها لن تقصد مقر صندوق النقد “زحفاً”، لا بل ستتمكن من الوقوف على رجليها وطلب المساعدة النقدية وفق مقتضيات الخصوصية اللبنانية، كي تكون مقبولة شعبياً وعادلة وتصاعدية ولا تستهدف الطبقات الفقيرة، ولا تقوم على أساس الخصخصة خصوصاً بعدما أثبتت تجربة التعامل مع جائحة الكورونا أهمية القطاعات الرسمية. وهي قاعدة لا تزعج “حزب الله” ولا تثير اعتراضه.