IMLebanon

إلغاء الفكر بعد إلغاء الجسد

 

 

 

من الطبيعي والمتوقّع أن يُحدث كلام الشيخ نعيم قاسم الإتهامي، كما خطابات ورسائل مسؤولي «حزب الله» في كل مرّة يطلّون فيها على الناس، عواصف كبيرة في الأجواء الداخلية اللبنانية، ومن المُنتظر أيضاً أن يُحدث آثاراً سلبية كونه يرتكز على منطق الأخذ بالوقائع الكاذبة والمُفبركة، بدءاً من زمن أجهزة الأمن السورية – اللبنانية المُشتركة في فترة سيطرة النظام السوري على كل مفارق الدولة اللبنانية وأجهزتها، والتي أورثتها لمحور الممانعة الداخلي كمادة تُستعمل في الحروب ضدّ «القوات اللبنانية». كما من المعروف أن هدف فريق الممانعة من هذه الإتهامات تشويه صورة الفريق السيادي الصامد ضدّ مشروعه الإلغائي للبنان، واستجرار مواقف متبادلة وردّات فعل على الفعل للبناء عليها لتسعير النفوس والأجواء الطائفية.

 

ولكنه من المُستغرب أن يصدر عن رجال دين كلام غير مُتّزن في الشؤون الوطنية ومجافٍ للحقائق ومُدعّم لأجواء التصادم الداخلي، في حين أن المُنتظر منهم نشر أجواء السلام والطمأنينة والبحث عن النقاط المُشتركة بين الفئات الوطنية المختلفة. ومن المتوقّع أيضاً أن يعمد الخيّرون والغيورون على العيش المشترك الى الطلب من الأفرقاء كافةً تجنّب الدخول في ألاعيب الحرب والمحاولات الفتنوية المقصودة من هذه الإتهامات الفارغة.

 

وأمام هذا الواقع الناشئ عن الهجومات الصادرة من فريق محور الممانعة، إختارت «القوات اللبنانية» منطق الصدّ والردّ لأسبابٍ عدة، وأهمها رفض التشويه وفضح الكذب ومنع القمع الفكري وإسقاط المشروع الإلغائي للبنان، وبالدور المؤثّر الذي تقوم به تكشف الفرق الكبير بين اتهامات هذا المحور لها، واتهاماتها هي له. فحين تقوم «القوات» بتوجيه اللوم والإتهامات لـ»حزب الله» ودوره بتدمير الوطن، تستند بذلك الى محطّات الإغتيالات الجسدية التي استهدفت القياديين المنتمين للفريق المُناهض له، وعلى التصريحات الإلغائية الصادرة عن مسؤولي «حزب الله» لكل أخصامه كما لهوية لبنان، والواضحة باعتبارهم أنه لم يكن هناك وجود للبنان قبل سلاحهم، ولم يكن للشعب اللبناني شرف الوطنية قبل قتالهم، ولم يكن لوطن الأرز معنى قبل عقيدتهم. أمّا حين يقوم «حزب الله» ومنظومته الإعلامية وجوقته التزويرية بكيل الإتهامات لـ»القوات اللبنانية»، فيأخذ بالنفاق مستنداً له والكذب والتلفيقات دلائل لاتهاماته، ويعمل على خلق صورةً لـ»القوات» مشوّهة ولا علاقة لها بها.

 

راهنت قيادة «القوات» في المراحل السابقة على التهدئة مع كافة الأطراف، واستمرّت بممارسة قناعاتها وبطرحها للمشاريع السيادية والإصلاحية والإنقاذية، معتبرةً أن كل خطوةٍ لتدعيم مؤسسات الجمهورية ستصبّ بنهاية الأمر في صالح الجميع وفي مبدأ السيادة. وبهذه الإستراتيجية استطاعت أن تتمايز عن الجميع وأن تساهم في الحفاظ على السلم الأهلي على أسس صحيحة، وقدّمت ما تستطيع من خطةٍ للخروج من مسار الدولة اللبنانية التقهقري بكل إداراتها. ولكن تمسّك «حزب الله» بسياساته لإحكام قبضته على المؤسسات الرسمية وعلى القرار الوطني، وتنكّره للآراء الوطنية المناقضة له، وتجاهله لمواقف «القوات اللبنانية»، ومحاولته عزلها وطنياً، أدّت الى إدخال لبنان في أسوأ ظرف إنساني تعيشه شعوب الكرة الأرضية.

 

إن استمرار «حزب الله» ومحوره بالسياسات الغبية والقصيرة النظر، أنتج معارضات واسعة وشاملة ضدّه ورافضة لسلطته المكوّنة للغطاء الرسمي لأعماله المُشينة والضارّة بمصالح الناس. وهذا الواقع إنعكس تأييداً لسياسة «القوات اللبنانية» بشكل كبير وخارق للفئات اللبنانية، حيث أصبحت هي العمود الفقري للمعارضة الوطنية ضد «حزب الله»، ما دفعه لشنّ الحرب الكلامية عليها مباشرةً من مسؤوليه وأمينه العام. ففشله وضعف أعوانه وأتباعه وأبواقه بالنجاح في المعارك التشويهية ضد «القوات» أجبره على الدخول في هذه المعركة التي طالما حاول تجنّبها، ولكنه انصدم بأدائه الأضعف من مُشغّليه، حيث كشف عوراته وفقدانه للمنطق المقبول، وها هو يدفع حالياً ثمن اندفاعه العشوائي في هذه المعركة التضليلية.

 

سبب فشل كل محاولات قمع «القوات اللبنانية» فكرياً، هو أن «القوات» بمواجهتها مشروع «حزب الله»، فهي تدافع عن هوية لبنان وحضارته وتطوره، وعن ثقافة الحرية فيه، وعن الانسان وممارسة جميع الفئات قناعاتها، ولأن «القوات» أدركت باكراً خطورة نيات «حزب الله» الإلغائية فقد نجحت في كل المنابر والساحات، ولأنها فهمت مشروعه الإلغائي على الهوية فقد وضعت خطاً أحمر أمام استكمال مخططه.

 

إن تهويل «حزب الله» بإلغاء الآخرين، والغاء الفكر الحرّ بعد إلغائه الجسد، ليس سرّاً، بل ذلك مُوثّق في تصريحاته، وبذلك فهو صادق، اما اتهاماته لـ»القوات» فهي ثرثرة وفبركة وسخافة وكلام فتنوي، والأهم أنها محاولات إلغائية. وعليه، فإن إلغاء المشروع الإلغائي حتمي، أمّا إلغاء «القوات» فمستحيل لأنها تؤمن بالفنون الليبرالية المُمتدة من زمن العالم اليوناني القديم الذي نصّ على أن يكتسب المرء أو الجماعة البلوغ في الحكمة، وهذا يعني القدرات الفكرية العالية وآنذاك تكتسب الحرّية، وأول ما تذكره هذه الفنون، أدب المُخاطبة.