IMLebanon

«حزب الله» لعون: أنت الرئيس ولو بعد حين!

تنطلق المفاوضات حول الملف السوري من خلال محطة جديدة هي في الحقيقة الأكثر جدّية منذ بدء هذه المؤتمرات. وتكشف الصورة الجديدة عمق التفاهم القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، والذي يصلح فيه إطلاق وصف الشراكة الأميركية-الروسية.

الدور الروسي الكبير أثار حساسية الكثير من الاطراف، علناً او ضمناً. الاوروبيون وفي طليعتهم فرنسا انتابهم القلق من المدى الذي وصلت اليه هذه الشراكة، إذ طالما شكّل الشرق الاوسط منطقة نفوذ ومصالح تاريخية لاوروبا وخصوصاً لفرنسا وبريطانيا.

والقلق نابع من مباركة واشنطن للحلم الروسي في وراثة الدور الاوروبي في الشرق الاوسط من خلال البوابة السورية. ولذلك تضاعف باريس إصرارها على رعاية حلٍّ للأزمة اللبنانية يكرّس لها موقعاً ثابتاً في المنطقة.

وإذا كان القلق الاوروبي بدأ بالظهور العلني فإنّ قلق إيران ما زال مكتوماً، وهي التي تشارك روسيا برنامجاً عسكرياً ومعارك كبيرة في سوريا.

وتبدي طهران على رغم عقدها تفاهمات استراتيجية مع موسكو، قلقها من إمساك شريكها المضارب زمام المبادرة والقيادة الكاملة، مع العلم أنّ اولويات موسكو لا تتطابق مع الاولويات الايرانية، في وقت تسعى فيه واشنطن لترتيب ركائز مرحلة ما بعد التسوية السورية، والمقصود هنا التسوية الاسرائيلية – الفلسطينية.

لكنّ هذه الحساسية لا تعكّر برنامج العمليات العسكرية في سوريا لا بل إنها تدفع للاسراع في تنفيذه.

فالجيش النظامي السوري المدعوم من «حزب الله» ومجموعات إيرانية اضافة الى المساعدة الروسية، يتقدم في اتجاه تدمر، على أن يلي ذلك الرقة وبعض مناطق حلب، على أساس أنّ هذه الجبهات لا تبدو مشمولة بقرار وقف اطلاق النار كونها ممسوكة من تنظيم «داعش».

وفي المقابل، حاولت اوروبا معالجة قلقها من فقدان دورها بسبب الشراكة الاميركية – الروسية من خلال فتح خطوط تواصل مع دمشق.

فإلى الوفد الايطالي الأمني الذي زار دمشق أخيراً من خلال لبنان، وقبله وفد الماني، زار وفد أمني اسباني العاصمة السورية حيث التقى اللواء علي مملوك.

واضافة الى ملف النفوذ والمصالح السياسية الذي يقلق الدول الاوروبية، فإنّ الهاجس الأمني الناتج عن تمركز «داعش» الجديد في ليبيا، والمرشح للتمدّد الى كامل الشريط الساحلي لافريقيا الشمالية هو الذي يدفع بالحكومات الاوروبية لاستعادة تنسيقها الأمني مع دمشق التي باتت تملك تجربة طويلة مع «داعش» والكثير من الأسرار والتفاصيل حول حرفيته الادارية وتركيبته التنظيمية.

وقيل إنّ الفرنسيين يحاولون استكشاف تعزيز التواصل الأمني مع النظام، ذلك أنّ العاصمة الفرنسية التي ضربها «داعش» بعملية موجعة تبقى هدفاً، اضافة الى وجود كثير من الفرنسيين في عداد هذا التنظيم وعدد منهم هم من الانتحاريين.

لكنّ باريس القلقة سياسياً من فقدان دورها في الشرق الاوسط والمتوجّسة أمنياً من «داعش»، تحاذر القيام بخطواتٍ قد تثير السعودية التي أبرمت معها العديد من العقود التجارية والاقتصادية التي شكلت دعماً كبيراً للاقتصاد الفرنسي. لكنّ السعي الى تجنّب المخاطر قد يكون اولوية تتقدم الاقتصاد بالنسبة الى باريس.

أما الساحة اللبنانية فتبدو وكأنها ما تزال مقفلة أمام أيّ تسويات جزئية تسمح بفصل الشأن اللبناني عن الورشة الكبرى الآتية حول مستقبل سوريا، وربما الأهم باستباق فتح الورشة الاسرائيلية – الفلسطينية حيث التداخل كبير وعميق ما بين الشؤون اللبنانية والفلسطينية (المخيمات، حزب الله والتأثير الايراني في الداخل الفلسطيني).

وخلال الأيام الماضية استقبلت باريس الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في مسعى جديد لإيجاد ثغرة معقولة يمكن من خلالها النفاذ لإجراء الانتخابات الرئاسية ومعها تسوية جزئية تسمح بفصل الملف اللبناني عن الورشة الإقليمية.

وقبل جنبلاط استقبلت باريس العديد من الشخصيات اللبنانية في مهمة متشابهة بقي معظمها بعيداً من الإعلام.

والى الجهد الذي تبذله باريس بهدف الحفاظ على مقعدها اللبناني في وجه تمدد النفوذ الروسي في الشرق الاوسط، فإنّ التواصل الاميركي مع باريس والذي يتولّاه قسم الشرق الاوسط في السفارة الاميركية في باريس يركز على ضرورة سعي باريس لتوظيف موقعها وخبرتها التاريخية لصالح إنجاز هذه التسوية الجزئية.

وتدرك باريس أنّ كلّ حركة تحصل في الاتجاه اللبناني تؤدي الى زيادة التعقيدات لا العكس.

فمع خطوة ترشيح النائب سليمان فرنجية ذهب الدكتور سمير جعجع في اتجاه تأييد العماد ميشال عون، ما فاقم في هذه الازمة وزادها تعقيداً. ومع عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان رفعت السعودية من مستوى تدابيرها، فبدت الساحة اللبنانية وكأنها ساحة حرب فعلية.

وخلال زيارة ولي العهد الامير محمد بن نايف الى باريس جرى التطرق الى كلّ ذلك ولو بعبارات دبلوماسية. تحدث المسؤولون الفرنسيون عن أهمية الاستقرار الاقتصادي والأمني في لبنان، وبالتالي عن أهمية الحفاظ على الحكومة في إطار المواجهة الحاصلة مع ايران على الساحة اللبنانية.

في المقابل يبدو «حزب الله» متمسكاً بخياره الرئاسي، لقناعته أنه الخيار الأكثر ملاءمة له. وقيل إنّ قيادة الحزب تتواصل باستمرار مع عون وتؤكد له على ثبات خيارها الرئاسي وإنّ الفريق الآخر لا طريق أمامه سوى سلوك درب تأييد عون كما حصل مع «القوات اللبنانية» التي سلّمت بهذا الواقع.

لا بل إنّ الكواليس اللبنانية تكشف عن الرسالة الأخيرة من «حزب الله» الى عون ومفادها: أنت الرئيس ولو بعد حين. فدخولك قصر بعبدا ساعة انتظار، فالمسألة اصبحت محسومة.

وفيما يبدي «حزب الله» قناعته المطلقة بهذه النتيجة، أوحى الكلام الصادر عن الحريري وجعجع حول حصول الاستحقاق الرئاسي في نيسان وكأنّ هناك طبخة ما يجري إعدادها بسرّية مطلقة.

إلّا أنّ الموقف السعودي لا يوحي بأيّ مرونة في هذا الاتجاه. والمرحلة التي شهدت تواصلاً وانفتاحاً بين عون والحريري حول الرئاسة إنما سجلت في الوقت نفسه اعتراضاً حاسماً وفورياً لدى الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط اللذين أبلغا الحريري يومها اعتراضهما الشديد على وصول عون وفريق عمله على السواء.

ولا شكّ أنّ «حزب الله» يدرك جيداً وجود هذه العوائق السياسية بوجه عون، ما يعني أنه بسلوكه يريد فعلياً شراء الوقت واستمرار حال المراوحة من خلال العماد عون، وانتظار دنوّ الورشة السورية وبعدها الورشة الاسرائيلية – الفلسطينية لمزاوجة الوضع اللبناني معهما، وهو الذي يملك أوراقاً إقليمية قابلة للصرف سورياً وفلسطينياً أكثر منها لبنانياً.