لا تكفي عودة حزب الله، والثنائي الذي يشكّله مع أمل، الى وزارة المالية في الحكومة المقبلة، إذا ما تحققت، لإعلان النصر السياسي!
فحزب الله يحاول إعادة تثبيت قدميه على أرضية القرار السياسي في لبنان بعد كل ما تعرّض له من ضربات قاسية في الأشهر الماضية. ولكن المعركة ستكون قاسية جداً عليه!
إذ أن عقارب الساعة لا تعود الى الوراء. ونتيجة الحرب «الفعلية»، لا كيفية قراءتها، هي التي تحدّد الإطار السياسي للمرحلة المقبلة في لبنان.
لم ينتهِ حزب الله بعد. ولا يمكن التعاطي معه في الداخل على أنه قد انتهى! وهو في المقابل، قد تراجعت قوته ونفوذه كثيراً. ولا يمكنه أن يتعاطى مع الآخرين من خصومه، كما من حلفائه، بأسلوب ما قبل 8 أكتوبر 2023، متناسياً توقيعه في 26 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي!
يواجه حزب الله هموماً كبرى تبدأ بهمومه المالية، وبتنفيذ وقف إطلاق النار وتنتهي بتنفيذ البند الثالث من القرار1701، أي تنفيذ القرار 1559. وأبرز هموم حزب الله اليوم، بالترتيب بحسب الأهمية، هي التالية:
1- التمويل:
يحتاج حزب الله الى المال. يحتاجه في الحرب ويحتاجه في السلم.
فقد ارتفعت مصاريف الحزب وسترتفع كثيراً. خاصة في دفع الرواتب والتعويضات والاهتمام بآلاف عوائل الشهداء، وبآلاف المقاتلين وعائلاتهم الذين أصبحوا خارج الخدمة العسكرية بعد عمليتي البايجرز واللاسلكي، أو بالإصابات الكثيرة.
ويحتاج الحزب الى إعادة تنظيم تمويله. فهو قد نجح بالمحافظة على قسم كبير من الأموال المخبأة في الحرب، على الرغم من التدمير الذي تعرضت له مراكز القرض الحسن. ولكنه يحتاج الى ضخ أموال جديدة فيها.
فالحل الأول أمامه هو في استمرار دخول الأموال «الكاش» من إيران، بالشنط المعبأة.
والحل الثاني هو في الاستفادة من التلاعب بمالية الدولة، وبمصرف لبنان، لإيجاد مداخيل مالية، عبر سعر الصرف على سبيل المثال.
والحل الثالث هو السيطرة على مداخيل ممكنة عبر المرفأ أو غيره من المرافق العامة.
والحل الرابع هو إعادة تنويع استثماراته المستترة.
وهذه الحلول أصبحت أكثر صعوبة بكثير عما كانت عليه في السابق. هذا من دون احتساب أي إنتاج للممنوعات مثل الكبتاغون، كما يتهمه خصومه.
وفي الحل الخامس، يمكن للحزب دائماً أن يستفيد من دعم عدد كبير من الأغنياء في بيئته، في لبنان، وفي الخارج، وبخاصة في أفريقيا.
2- السيطرة على خط مفتوح له في مطار بيروت:
كيف يتنفس حزب الله؟ وكيف يحصل على الدعم الدولي الأساسي، إن لم يكن الوحيد من إيران، بعد إقفال المعابر البرية، وشبه استحالة استعمال البحر؟
الحل المنطقي بالنسبة للحزب، على الرغم من التهديد الإسرائيلي بقصف مطار بيروت، هو الحفاظ على «الخط العسكري» الذي كان سالكاً له لعقود طويلة. فهل ينجح بذلك، بعكس إرادة الجيش اللبناني، وهو «على بُعد 10 أمتار من المطار»، كما ذكر أحد قادته وفيق صفا؟!
3- إعادة السيطرة على القرار السياسي:
إن «الكباش» الحكومي مفصلي اليوم في ضغط حزب الله في الداخل. ليس فقط من أجل حصول الثنائي على وزارة المالية، بل أيضاً من أجل تحديد السياسة الخارجية وإعادة لبنان الى المحور الإيراني الذي بدأ يتفلت منه. ومن أجل الحفاظ على قرار عسكري يغطي أي تحرك للحزب. وهو ما بدأ يخرج عن سيطرة الحزب أيضاً.
بعد الرؤساء ميشال عون ونجيب ميقاتي في رئاسات موالية لحزب الله أعطته بُعداً أساسياً في إدخال لبنان في المحور الإيراني، يواجه حزب الله بوجود الرئيس جوزاف عون والرئيس نواف سلام، وأي رئيس حكومة آخر غير موالٍ له، تفلت الرئاسات من سيطرة الحزب من جهة، و«خطر» ابتعاد لبنان أكثر فأكثر عن المحور الإيراني، والاقتراب أكثر فأكثر من الحضن العربي، من جهة أخرى.
كل ذلك، مع تزايد الضغوطات الأميركية والعربية على لبنان.
4- إعادة تنظيم صفوفه:
خسر حزب الله أمينه العام السيد حسن نصرالله. وهو يدرك أنه لا يمكن فلء فراغ كاريسما قائده الشهيد عما قريب!
كما لا يمكن ملء الشواغر صاحبة الخبرات القتالية العتيقة والكبيرة جداً بمن لا يملكون الخبرات نفسها.
ويحتاج حزب الله الى سنوات طويلة لإعادة تنظيم صفوفه ليعود الى ما كان عليه في زمن نصرالله.
5- بناء المخزون العسكري:
كل منظمة عسكرية تحتاج الى إمداد لوجيستي مستمر. وهو أمر انقطع عن حزب الله بفقدان الممر بينه وبين إيران. وقد يبدأ حزب الله جدياً بالاعتماد أكثر على الانتاج المحلي، على طريقة حماس، خلافاً لمضمون الاتفاق الذي وقّع عليه.
6- إعادة المهجّرين الى بيوتهم أو الى مأوى محترم:
عودة المهجرين الى بيوتهم هي الهمّ الوطني الأساسي لمعظم اللبنانيين. ولكن هذه العودة تفترض وجود أماكن كريمة غير متوفرة حالياً. وهي المشكلة الاجتماعية الأولى التي تقلق الحزب حالياً. ولكنها قد تكون الأسهل عليه في معالجتها.
7- إعادة الإعمار:
يحتاج الإعمار الى سنوات طويلة، والى تمويل خاص، سيكون مشروطاً على الأرجح.
وهو سيستعمل من الخارج كورقة ضغط على الحزب.
كما يحتاج بشكل أساسي الى مساهمة خليجية من السعودية والإمارات والكويت وقطر. ما يعني أيضاً التزام لبنان بالسياسات العربية.
إعادة الإعمار هو أيضاً من أولويات خطاب القسم. ولكن رئيس الجمهورية سيعطيه بُعداً وطنياً، لا حزبياً ولا مذهبياً ولا مناطقياً.
8- تفسير قرار وقف إطلاق النار:
لا يتفق حزب الله لا مع الداخل ولا مع الخارج على مضمون الاتفاق الذي وقّع عليه.
وهو ما سينعكس سلسلة أزمات سيواجهها الحزب، وسيواجهها كل لبنان.
9- آلية العمل في شمال الليطاني:
مشكلة «عويصة» ستواجه الحزب شمال الليطاني. وهي تبرير استمرار وجود سلاحه لمواجهة إسرائيل عن بُعد، بعد تعذّره بمواجهتها عن قُرب!
وباعتبار أن الحزب وافق على سحب سلاحه ومقاتليه من جنوب الليطاني الى شمال الليطاني، فإن المواجهة الداخلية ستبدأ لاحقاً لمطالبته بتسليم سلاحه للجيش اللبناني.
10- المواجهة مع النظام السوري الجديد:
ليس هناك مواجهة عسكرية ميدانية بعد مع القوات العسكرية الجديدة في سوريا، مع خروج الجيش السوري من الخدمة فعلياً. ولكن لا شيء يمنع لاحقاً، مع الخلفيات السياسية والمذهبية، من الاحتكاك المباشر في المناطق البقاعية.
وذلك، بمعزل عن قطع النظام السوري الجديد طرق الإمداد الإيرانية. وتحوّل النظام السوري من صديق في زمن الأسد، الى «عدو مع وقف التنفيذ» في زمن الشرع!
وإذا كان حزب الله يعتبر فيما مضى النازحين السوريين بمثابة حلفاء له في الداخل اللبناني، فهم قد يصبحون سلاحاً ضده مع نهاية نظام الأسد. ومن الضروري أن تكون عودة النازحين الى بلادهم في مقدمة أولويات الحكومة الجديدة.
11- الهيمنة الأميركية على منطقة الشرق الأوسط:
تضاءل النفوذ الروسي في سوريا وفي منطقة الشرق الأوسط. وتزايد النفوذ الأميركي. وتراجعت القدرات الإيرانية. خاصة مع وجود ازدواجية في السياسة الإيرانية بين الإصلاحيين والحرس الثوري…
تزايد مدى تحرّك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في المنطقة سياسياً وعسكرياً مع وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الأبيض.
ومن الأرجح أن الرئيس ترامب سيأخذ المنطقة الى عمليات تطبيع ضاغطة على كل المنطقة، وبشكل خاص على إيران وعلى الأذرع الإيرانية. وفي مقدمتها حزب الله.
مع ملاحظة سماح ترامب بوصول 1.500 قذيفة بزنة طن للقذيفة الواحدة الى الجيش الإسرائيلي بعدما كانت قد مُنعت عنه في آخر عهد الرئيس جو بايدن!
12- عودة الحرب:
هل تطبق إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار وتنسحب من لبنان بالكامل؟ أم أنها ستحتفظ بالنقاط الخمس؟! وكيف سيواجه حزب الله الموقف الإسرائيلي ميدانياً؟ علماً أنه لن يوافق على بقائها في أي نقطة بعد 18 شباط/فبراير المقبل. في حين أن هناك الموقف الأساسي الرسمي للدولة اللبنانية أولاً في الموضوع.
إذا كانت إسرائيل تستفيد من الوقت بدل الضائع، لاتفاق وقف إطلاق النار، الممدد له أحادياً من الجانب الأميركي حتى 18 شباط/فبراير الجاري، لتستمر في جرف المنازل والبحث عن أنفاق وعن قواعد للصواريخ في المناطق التي ما تزال تحتلها، فإن حزب الله، الذي يضبط عدم الرد على الانتهاكات حتى التاريخ المحدد، يأمل تنفيذ القرار 1701 على طريقة العام 2006.
وهو ما قد يسمح له، بتقديره، بتخطّي العقبات الأميركية – الإسرائيلية لإعادة تنظيم صفوفه ولإعادة تجهيز لوجستياته، وبخاصة العسكرية منها… جنوب الليطاني.
ولكن الاتفاق الذي وقّعه الحزب يعطي «الحق» لإسرائيل بالتدخّل عسكرياً لوقف أي إمكانية للتسليح والتزوّد بالسلاح بالتصنيع الداخلي أو بالاستيراد من الخارج! كل ذلك مع إقفال طرق الامداد بين حزب الله وإيران عبر سوريا مع سقوط نظام الأسد الصديق.
يحاول حزب الله اليوم إمطار الحكومة مع الرئيس نبيه بري بمطالب تفرض وجوده في القرار السياسي وسط مطالبة خصومه بتحديد مشاركته، ومطالبة الخارج باستبعاده كلياً، ومطالبة الكثيرين بحكومة من خارج الأحزاب. ولكن تضرب لبنان منخفضات سياسية باردة تجمع بين القلق والترقّب من جهة وبين جرعة أمل كبيرة مع الرئيسين عون وسلام من جهة ثانية.
كل ذلك، بانتظار أول «مطبين» كبيرين أمام اللبنانيين، الأول في تشكيل الحكومة، والثاني بالوصول الى 18 شباط/فبراير المقبل! فهل يكونان «قطوعين وبيمرقو» أو «لغمين وبينفجرو»؟!