IMLebanon

ضياع لبنان ما بين مشروع حزب الله وبناء الدولة

 

ليس من باب التشاؤم أو اليأس، بل من باب الواقعية السياسية، نقول إن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة لن تؤدي إلى ايجاد المخارج اللازمة لإصلاح البنية السياسية والادارية للدولة، وبالتالي إخراج لبنان من مجمل الأزمات السياسية والمالية والنقدية والاقتصادية والمعيشية التي يتخبط فيها.

 

في رأينا لن تؤدي خسارة حزب الله ومحور الممانعة للأكثرية النيابية التي امتلكوها في المجلس السابق، والتي تغنى بها قادة ايرانيون بارزون كمؤشر على سيطرتهم على بيروت، على غرار سيطرتهم وهيمنتهم على دمشق وبغداد وصنعاء، أو سقوط حلفاء سوريا في الانتخابات إلى تغيير المعادلة السياسية التي فرضها حزب الله بقوة سلاحه بعد حرب تموز 2006، والتي كرست باتفاقات سياسية في مؤتمر الدوحة عام 2008، وفي التسوية السياسية التي فرضها على خصومه لاحقاً من خلال التسوية الرئاسية التي حملت حليفه السياسي العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة عام 2016.

يجب ألا ننكر أن حلف الممانعة قد مُني بخسائر واضحة في اكثريته النيابية خمن خلال خسارة عدد من المقاعد، ولكن ذلك لا يعني بتسليمه بانتصار خصومه من القوى التقليدية والقوى السياسية والتغييرية، بل يجهر وعلى لسان قيادييه ورموزه بأنه يتحضر للتمسك بكامل نفوذه ومكتسباته السابقة، وذلك من خلال اعلان التمسك بنوايا واضحة للاستمرار في تعطيل اية محاولات اصلاحية او تغييرية، تقوم بها الاكثرية النيابية الجديدة. وعبّر بوضوح عن هذه النوايا النائب في كتلة الوفاء للمقاومة حسن فضل الله من خلال وصفه اكثرية القوى السيادية بـ«الاكثرية الوهمية» رافضاً وبشكل قاطع القبول بمبدأ «أكثرية تحكم وأقلية تعارض»، ومعتبراً بأن القائلين بهذا المبدأ هم «واهمون ويعيشون في احلام، وبأنهم لم يتعظوا من التجارب الماضية»، وبما يوحي التذكير بالانقلاب الذي قاده حزب الله ضد الاكثرية النيابية في 7 ايار عام 2008، والتي ادت إلى فرض مبدأ الشراكة من خلال تشكيل حكومات توافقية، مع التمسك بـ«الثلث المعطل» داخلها. هذا بالاضافة إلى شل المجلس النيابي وتعطيل قدرات الاكثرية النيابية لفترة سنتين ونصف من انتخاب رئيس جديد للجمهورية يخلف الرئيس ميشال سليمان بعد انتهاء ولايته، وإجبارها بالتالي على الخضوع لارادته في التصويت للمرشح الوحيد الذي فرضه عليها. ونسارع هنا إلى تنبيه القوى السيادية إلى نوايا حزب الله وخططه لتكرار نفس السيناريوهات السابقة عليها سواء في تشكيل حكومات سياسية «توافقية» علىغرار الحكومات السابقة، أو لجهة تعطيل الاستحقاق الرئاسي لفترة طويلة، وإجبارها على القبول بتسوية رئاسية كتلك التي حملت حليفه عون إلى بعبدا.

لا بد من المسارعة إلى تحذير القوى السيادية والتغييرية بأن الغلبة السياسية لن تكون من خلال احتساب عدد المقاعد التي حققتها في الانتخابات الأخيرة، بل يتوقف الأمر على مدى قدرتها على تشكيل جبهة برلمانية، متماسكة، تملك رؤية سياسية موحدة، يمكن ترجمتها إلى خطط سياسية واقتصادية وثقافية تواجه بها خطط حزب الله ومحور الممانعة، مع التحوّط الكامل للتخلي عن كل الرؤى والتناقضات السابقة التي ادت إلى فشل وانفراط عقد تجمع قوى 14 آذار، وتكريس هيمنة محور 8 آذار على السلطة. تتطلب عملية انشاء جبهة برلمانية متماسكة مسارعة مختلف القوى السيادية إلى تقديم اجابات ومواقف واضحة حول مجمل القضايا الاساسية اللازم حلها من اجل وضع الاطار والهيكلية اللازمة لإعادة بناء الدولة، وعلى مفاهيم عصرية واضحة، حول الأمن الوطني والاستراتيجية الدفاعية والسياسة الخارجية والسياسة المالية والنقدية والاقتصادية.

لا بد ان تتحلى هذه الجبهة البرلمانية بالوعي والحكمة والصلابة من اجل خوض مواجهة سياسية وثقافية واقتصادية مع جبهة الممانعة، لمنع تغيير هوية لبنان واسلوب عيش اللبنانيين. وأن الغلبة في هذه المواجهة لن تكون باحتساب عدد المقاعد في البرلمان، بل من خلال التصدي لقدرات حزب الله للقيام بعملية انقلابية جديدة. لكن يبقى السؤال: كيف يمكن ترجمة ذلك في السياسة؟

تتطلب خطورة ودقة الاستحقاقات المقبلة ادراك القوى السيادية مدى صعوبة تحقيق مشروعها لإعادة بناء الدولة في ظل حالة السقوط والفوضى الشاملة التي يتخبط فيها لبنان. وتفترض خطورة ودقة الوضع اجراء مراجعة كاملة للوضع اللبناني، ولكل الاستراتيجيات والمقاربات التي اعتمدها حزب الله ومحور الممانعة في الفترة الممتدة ما بين عام 2005 وعام 2022، مع ضرورة اجراء دراسة موضوعية للأزمة التي يواجهها العراق في عملية اعادة بناء الدولة في ظل الجهود والعراقيل التي يبذلها ويضعها حلفاء ايران من ميليشيات الحشد الشعبي، والتي يمكن ان يستعملها حزب الله من اجل افشال جميع الجهود الاصلاحية التي يمكن ان تبذلها القوى السيادية البرلمانية لتشكيل حكومة ولانتخاب رئيس جديد للدولة او للقيام بالاصلاحات المطلوبة لعملية بناء الدولة.

 

يمكن لحزب الله وقوى الممانعة اللجوء إلى استعمال فائض القوة المتمثل بسلاح حزب الله وبالدعم الايراني والسوري لقلب موازين القوى، والقيام بخطوات خطيرة من اجل تعطيل عملية اعادة بناء الدولة واعادة لبنان إلى الحضن العربي او تلقي الدعم الدولي، وذلك من خلال اعتماد المناورات والخطط الخطيرة الآتية:

اولاً: العمل على استكمال الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والتي يبدو انها قد بدأت فعلياً بعد صدور نتائج الانتخابات، حيث يذهب الانهيار في سعر صرف الليرة في الاتجاه المعاكس لما كان متوقعاً ان تفضي اليه النتائج الايجابية لفوز القوى السيادية والتغييرية.

ثانياً: تعطيل عملية تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي التحضير لتعطيل الاستحقاق الرئاسي، فاتحاً المجال للرئيس عون للبقاء في بعبدا وعدم ترك السلطة للفراغ.

ثالثاً: انقلاب حزب الله على نتائج الانتخابات، وبالتالي قلب موازين القوى السياسية من خلال تقديم طعون بنتائجها، وافتعال احداث لتوتير الاجواء مع اسرائيل، والدخول في وضع سياسي وامني شديد التعقيد.

رابعاً: العمل مع حلفائه المسيحيين وبدعم ايراني وسوري على تعطيل صيغة اتفاق الطائف، تحضيرا للدعوة إلى مؤتمر تأسيسي يطرح مسألة تغيير النظام باعتماد المثالثة أو طرح الفيدرالية مسيحياً.

هناك خيار خامس ما زال يلفه الغموض، تحدث عنه السيد حسن نصر الله في الفترة الاخيرة، عندما دعا لضرورة الفصل بين الدولة والسلطة، من دون ان يوضح معنى وفحوى هذه الدعوة، والتي ترمي، في رأيي الشخصي، إلى ادخال البلاد في حالة اكثر تعقيداً من حالة الأزمة الراهنة، وستؤدي في نهاية المطاف إلى رفض حزب الله لشرعية أية سلطة تدعو الاكثرية السيادية إلى اقامتها.

في النهاية يقف لبنان الآن وبعد الانتخابات الاخيرة في حالة ضياع ما بين مشروع حزب الله ورؤيته حول لبنان الذي يريده، وهي صيغة مدمرة لكيان وثقافة واقتصاد لبنان وبين دعوات وآمال القوى السيادية والتغييرية لإعادة بناء الدولة اللبنانية القادرة والمصالحة مع محيطها العربي، ومع المجتمع الدولي، وبالتالي الحفاظ على خياراتها الثقافية التي تؤمن بالحريات والتعددية، وباستكمال رسالة لبنان بالتفاعل الايجابي بين مسيحييه ومسلميه.