IMLebanon

مواجهات جرود القلمون: حروب طويلة تنتظر حلولاً مفقودة!

لا يستطيع أيّ عاقل يتابع الحروب الدائرة فوق تلال القلمون إلّا أن يقرأ فيها كلّ أشكال الحروب الدائرة في المنطقة بأدواتها المحلّية والإقليمية والدولية. ولذلك بقيَت حقل تجارب في انتظار أن تصل إليها أصداء التفاهمات الجديدة التي حسَمت معارك إدلب وجنوب سوريا، وتلك التي تُدير المرحلة الثانية من حرب اليمن. فما هي الدوافع الى هذه القراءة؟

القلمون مسرح لحروب متنقلة ومتعدّدة الوجوه بين أعداء الأمس واليوم وحلفاء الأمس – أعداء اليوميَعترف خبير عسكري يواكب الحروب الدائرة في المنطقة الممتدّة من الشرق الأوسط الى عمق الخليج بأنّ ما تشهده تلال القلمون صورة مصغّرة لكلّ الحروب المشتعلة بكلّ تشعباتها وتعقيداتها بفارق وحيد أنها لم ولن تنتج، الى اليوم، مزيداً من النازحين واللاجئين المدنيين السوريين المشتّتين في دول الجوار السوري وأصقاع الأرض قاطبة.

ويضيف: منذ قيام الحلف الدولي من مؤتمر جدّة في 11 ايلول الماضي والذي يقود الحرب على الدولة الإسلامية في العراق والشام، وصولاً الى الحلف الخليجي – الإسلامي الذي أعلن عنه في 26 آذار الماضي والذي يقود «عاصفة الحزم» قبل انتقاله الى مسيرة «إعادة الأمل» في اليمن، لم تشهد العمليات العسكرية القائمة في هذه المناطق أيّ تعديل كاسر للتوازن القائم منذ أعوام. لكنّ ذلك شكل إطاراً جديداً للمواجهة المفتوحة بعدما ظهَرت الأحلاف الدولية المتصارعة بالصوت والصورة ولم يعد هناك مكان أو موطئ قدم لأيّ قوى في المنطقة الرمادية بين المحورين.

وبصورة أعمق تمتدّ الى جذور المواجهة المفتوحة بين الأحلاف الدولية، يمكن القول إنّ تكاثر الأزمات وتعدّد مواقعها الجغرافية على خريطة العالم من شرق اوروبا بعد اندلاع المواجهة في اوكرانيا بعد أزمات دول الإتحاد السوفياتي السابق وروسيا الى عمق الشرق الأوسط فالخليج العربي، ظهرت معادلة واحدة تقريباً عنوانها الفشل الدولي في إدارة الصراعات وإقفال أيّ منها. فتوسعت رقعة انتشارها على رغم أنّ بعضاً منها خيض تحت غطاء الأمم المتحدة بقوانينها الملتبسة على خلفية المنطق الذي يقول بـ»الصيف والشتاء تحت سقف واحد» أو تلك التي قادتها أحلاف اقليمية ودولية تجاهلت الأمم المتحدة ومؤسساتها.

وعليه، ومن دون التوغل كثيراً في الخلفيات الإقتصادية والسياسية التي رافقت حروب القرن الماضي الممتدة الى اليوم، يمكن القول إنّ تلال القلمون اتسعت لنماذج من كلّ هذه الحروب وباتت مسرَحاً نموذجياً لحرب متنقلة ومتعدّدة الوجوه بين أعداء الأمس واليوم وحلفاء الأمس – أعداء اليوم.

ومن هذه الخلفية تراقب المراجع المعنية ما ستؤول اليه المواجهات بين فصائل المعارضة السورية التي تركت هامشاً واسعاً للتكهنات بمصيرها في وقت تخوض فيه هذه الفصائل مواجهتها الكبرى مع النظام السوري وحلفائه الإقليميين والدوليين. وعلى هذه المعادلة تعدّدت الأسئلة: هل بإمكان الفصائل التي يطاردها الحزب من تلة الى أخرى أن تقود حربين في الوقت عينه؟ وما هي القدرات العسكرية التي تسمح لها بهذه المواجهات؟

مردّ هذه الأسئلة الى أنّ التقارير الأمنية الواردة من تلال القلمون الشمالية أنّ المتقاتلين استخدموا في معاركهم الداخلية منذ ايام أسلحة نوعية لم تُستخدم في المواجهة مع «حزب الله» في وسط القلمون ما أدّى الى تعدّد الأوصاف في النظرة الى أهميتها. فوقع الإنقسام بين مَن «يُقزّم» حجم المعركة التي يقودها الحزب ومَن يقرأ فيها تحوّلات كبيرة لصالح النظام السوري وحلفائه من دون أن تحسم الوقائع هذا الجدل القائم.

وفي المحصلة يعترف المراقبون أنّ ما تشهده القلمون مجموعة حروب صغيرة لن تقدّم ولن تؤخّر في مجرى الصراع القائم طالما أنّ الجميع يخوضها بكامل وعيه وقدراته. والملفت أنّ مَن يخوضها واثقٌ من النصر على كلّ الجبهات، ما يوحي بأنَّها نماذج لحروب تجريبية صغيرة يخوضها الجميع بلا أفق واضح. لذلك يُتوقع أن تطول في انتظار المساعي المبذولة للوصول الى تفاهمات دولية كبرى لم يحن أوانها. وقد اختير لها مسرح كبير يحوي مئات التلال يراها مَن استطاع السيطرة على واحدة منها، أنها من أهمّ التلال الإستراتيجية التي تتحكّم بمحيطها قبل أن تتحوّل في نظر مَن خسرها مجرّد تلة من مجموعة تلال لا تؤخّر ولا تقدّم في مواقع القوة ومجرى الصراع.