IMLebanon

هتلر مجدداً!

 

هناك إجماع على أن الزعيم النازي المعروف أدولف هتلر، هو أكثر شخصية تمت الكتابة عنها من النواحي كافة في العالم الغربي، وذلك بعد شخصية المسيح عليه السلام. وخصوصاً ما تم نشره من كتب ودراسات بحثية. وهي ظاهرة لم تتوقف، بل مستمرة حتى الآن. ورغم مرور عقود طويلة جداً من الزمن على وفاته، فإن سياساته وأفكاره أعيدت للحياة لتبعث مجدداً بشكل علني.

 

النازية هي أحد مشتقات الفاشية التي تبناها في وقت ظهور هتلر على الساحة الأوروبية، كل من الزعيم الإسباني فرانكو، والزعيم الإيطالي موسوليني. ولم يقتصر الأمر على التأثير الأوروبي فقط، إذ إن النازية التي تؤمن بشكل عقائدي تأسيسي على تفوق العرق الأبيض على سائر الأعراق، انتقل تأثيرها إلى سائر أرجاء العالم عموماً، وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً. فظهرت حركات سياسية اجتماعية في طبعها تنادي «بتفوق» عرق أو منطقة أو تاريخ على غيرها، وولدت حركات متطرفة مثل «تركيا الفتاة» و«ومصر الفتاة» وغيرهما، ولكن الحركة الأبرز كانت «الحزب القومي السوري الاجتماعي» الذي كان يؤمن بوحدة بلاد الشام التاريخية أو سوريا التاريخية كما يسميها، ويطلق على هذا الوصف الجغرافي «الهلال الخصيب ونجمته قبرص» وكان مؤسس الحزب المغترب اللبناني الآتي من البرازيل أنطون سعادة، يؤمن «بتفوق الأمة السورية على غيرها في محيطها».

 

تأثر سعادة بشكل كبير بالرايخ الثالث والفكر النازي، فأخذ شعاراً للحزب نجمة معقوفة الأطراف تشبه قليلاً الصليب المعقوف شعار النازية الشهير، وكانت للحزب القومي السوري الاجتماعي تحية عسكرية ومشية عسكرية تشبه إلى حد كبير التحية النازية ومشية البطة العسكرية التي اشتهروا بها. ونجح الحزب في جذب كثير من «النجوم» إليه من ساحات السياسة والأدب والفن والمال والرياضة، لعل من أشهرهم كان حافظ الأسد. ولكن لم يتمكن الحزب من نفي «تهمتين» ظلتا تطاردانه وتلاحقانه؛ الأولى أنه كان مشروعاً أميركياً لكسر هيمنة تقسيم سايكس بيكو البريطاني الفرنسي على خريطة المنطقة، والثانية أنه رغم علمانيته الفجة الواضحة، فإنه كان طرحاً مسيحياً أرثوذكسياً لجعلهم ثاني أهم مجموعة بعد السنة في محيط جغرافي واسع جداً. واليوم نرى أفكار هتلر تبعث مجدداً بسياسات يطلق عليها تارة «الشعبوية» وتارة أخرى «الوطنية» ولكنها كلها صفحات من نفس الكتاب القديم الذي طبّقه الفوهرر نفسه، من كوريا الشمالية، وعبادة الزعيم وتمجيده، إلى سياسات وقوانين العداء والتمييز العنصري الصريح في الغرب هذه الأيام، مروراً بالهند والصين وميانمار وإسرائيل وسوريا وإيران ولبنان.

 

الدول والشعوب التي لديها ما تهابه وتخشاه من العولمة والاندماج والتعايش تلجأ فوراً وبشكل حاد وعنيف للتقوقع والانغلاق والخوف والشك والريبة، وتهتم ببناء الأسوار والجدران بدلاً من مدّ الجسور والمعابر لتأسيس الثقة كبديل للقلق. أجمعت البشرية أن أدولف هتلر كان طاغية ومجرماً، وأن جرائمه روّعت الإنسانية، فجرمت أفكاره، كما منع بيع «كفاحي» الكتاب الشهير الذي يحكي سيرته الذاتية وأهم مبادئه السياسية. انتحر هتلر في مخبئه بعد هزيمته ولكنه ما زال «حواريوه» بمختلف مشاربهم يبعثون بفكره تارة وراء الأخرى.

 

ألهم أدولف هتلر كثيراً من الزعماء، ولا يزال، لأنه خاطب الكبر في النفس البشرية، «أنا خير منه» أول خطاب شيطاني بإجماع الكتب السماوية، وهو هذا تحديداً الذي ألهم هتلر ومقلديه بعد ذلك. كل ما نراه اليوم من مطالبات برفع الظلم عن مجموعة عرقية أو دينية تعود بنا الذاكرة لمشهد هتلر في ألمانيا والقوانين التي ابتدعها تحت غطاء «حماية ألمانيا» وهو شعار جميل مكّنه من التمادي المطلق في استخدامه بلا هوادة وسقط الآلاف من الأبرياء بسبب ذلك. لا أحد يجرؤ بالتصريح علانية بأنه متأثر بتعاليم الفوهرر، ولكن الحقائق لا تكذب.

 

من ضمن المشاهد الأخيرة التي استوقفتني في التغطية الإخبارية لأحداث مظاهرات «حياة السود مهمة» المناهضة للتمييز العنصري، كان مشهد أحد راكبي الدراجات النارية وجسمه مليء بالأوشام التي تمجد النازية، وهو في عيادة طبية لإزالتها، فقال كنت مسحوراً فأفقت. ليت الساسة المسحورين بهتلر تصلهم نفس اليقظة.