IMLebanon

“حزب الله” المأزوم

تعيش الانتفاضة اللبنانية مرحلتها الثالثة ويزيدها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله زخماً، سواء في خطابه الأول الذي خاطب فيه المتظاهرين بالقول “العهد ما فيكم تسقّطوه”، وفي خطابه الثاني حاول ترهيبهم بـ”الحرب الأهلية” وتهديد رئيس الحكومة سعد الحريري بدفع البلاد نحو الحرب في حال استقال. وتزامن ذلك مع مجموعات تخريبية من مؤيّديه دخلت الساحات لإنهاء الثورة.

في المرحلة الأولى نزل الشعب إلى الشارع فجاء الرد من الرئيس سعد الحريري بورقة إصلاحية كان يعلم تماماً أنها لن تُخرج الناس من الساحات، بالقول “لو كنت مكانكم ما طلعت”، وفي هذه المرحلة استطاع الحريري أن ينتزع من شركائه ما كان يطالب به طوال ثلاث سنوات، ولمّح بكل جرأة إلى دعمه لـ”الانتخابات النيابية المبكرة”.

المرحلة الثانية بدأت بعدما رفض الشارع الورقة الإصلاحية وأصرّ على الإستمرار في ثورته إلى حين استقالة الحكومة، وتزامن ذلك مع مؤشرات لبدء الصراع داخل الطبقة السياسية نفسها، وتمثّل بدعوى على الرئيس نجيب ميقاتي تحت عنوان “الإثراء غير المشروع”، واستعان بها رئيس الجمهورية في خطابه بطريقة غير مباشرة، ليضرب على الطاولة في حديثه عن الأموال المنهوبة أشبه برسالة إلى شركائه.

المرحلة الثالثة بدأت بعد خطاب رئيس الجمهورية وحديثه عن ضرورة التغيير الحكومي، ليصبح البلد أمام خيارين، إما حكومة جديدة برئاسة الرئيس الحريري، وإما تعديل وزاري بإقالة مجموعة من الوزراء. واصطدم الخياران بحائط “حزب الله” الذي لا يراهن إلا على إخماد ثورة الشارع.

في الخيار الثاني، لا يمكن لأي تعديل وزاري أن يُرضي الشعب طالما أن التعديل لم يشمل الوزير الأكثر استفزازاً بين الناس وهو رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي رفض التعديل بحماية من “حزب الله” وأسقط الخيار بحجة أن اقالة مجموعة من الوزراء ستعني أنهم فقط الفاسدون، فضلاً عن أنه لا يمكن ضمان موافقة الشارع على التعديل الوزاري، خصوصاً ان هناك أنصار حزبين اثنين على الأقل لن يتركوا الشارع من دون استقالة الحكومة.

أما في الخيار الأول، فإن المتضرر الأكبر هو “حزب الله”، فهو اليوم يُمسك بصوت 19 وزيراً لمصلحة سلاحه، وأي حكومة جديدة ستكون مصغرة ومن اختصاصيين، ما يعني أن “الحزب” سيفقد سيطرته على أكثرية وزارية، وحاجته للحريري ستدفع إلى تلبية كل شروط رئيس الحكومة المستقيل والمكلّف. أما هاجسه الأكبر فهو أن تواصل القوى السياسية تقديم التنازلات للشعب بالانتقال إلى مرحلة التغيير الحقيقية، من حكومة جديدة إلى انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون جديد، وهنا يكون “حزب الله” أمام خسارة ثالثة في تراجع عدد نوابه ونواب حلفائه في مجلس النواب (أحصاهم الجنرال قاسم سليماني بـ 74 نائباً)، فيما الخسارة الأولى بأن الشارع لم يعد ملكه وإذا قمع تظاهرات بيروت فلن يستطيع أن يقمع تظاهرات الساحات الممتدة من الدورة وصولاً إلى طرابلس، فيما الخسارة الثانية ربما خروجه من حكومة يشكّلها مجلس نواب غالبيته من المستقلين والمجتمع المدني، ولن يستطيع حينها أن يضمن مصير سلاحه غير الشرعي.

“حزب الله” سيكون المتضرر الأكبر إذا اتجهت القوى السياسية إلى انتخابات نيابية مبكرة. دعم الحريري الفكرة ولاقاه النائب السابق وليد جنبلاط، وأيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي رفع “كارت” قانونه الانتخابي، لكن السؤال: كيف سيتصرف “حزب الله” في حال استمر الشارع في الضغط على السلطة؟ هل يتخلى عن باسيل بخيار التعديل الوزاري، أم يوجّه سلاحه نحو اللبنانيين إذا فرضت الحكومة الجديدة عليه والانتخابات النيابية المبكرة؟ إذا راح للخيار الأخير، فإن لبنان ليس منعزلاً عن محيطه العربي ويكون “حزب الله” قد رسم طريق النهاية… نهاية من؟