IMLebanon

مؤشرات أميركية إيجابية تسبق عودة هوكشتاين

 

على رغم من الضجيج الذي رافقَ المفاوضات الجارية لترسيم الحدود البحرية فإنّ في الكواليس معلومات وسيناريوهات ايجابية توحي بأنّ مشوار الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين هذه المرة سيكون مُثمراً بعدما نجح في تضييق رقعة الخلافات بين لبنان واسرائيل. وهو ما أوحَت به السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا في جولتها الاخيرة على المسؤولين اللبنانيين من دون الالتزام بموعد محدد لعودته الى بيروت. وعليه، ما هو الجديد المسرّب؟

في الكواليس السياسية والديبلوماسية سيناريوهات عدة عن مستقبل المفاوضات التي يقودها هوكشتاين بين لبنان واسرائيل. فالمسار الذي اختاره في حركته المكوكية ما زال قائماً كما توقعه من قبل، بمعزل عن القراءات السلبية التي رافقت الأحداث التي شهدتها الفترة الفاصلة بين عودته الى بيروت أواخر حزيران الماضي بناء على طلب الجانب اللبناني للتدخّل فور دخول سفينة الإنتاج «اينيرجين باور» الى حقل كاريش مطلع الشهر الماضي وما انتهت إليه زيارته الاخيرة الى اسرائيل.

 

ومن هذه المنطلقات تسرّبت في الساعات الاخيرة الماضية معلومات قليلة عن مستقبل مهمة هوكشتاين، سواء من تلك التي انتهت إليها لقاءات السفيرة الاميركية في بيروت التي زارت أمس الأول وزارة الخارجية والتقت الوزير عبد الله بوحبيب، او تلك المناقشات التي تزامنت وزيارة وفد «مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان» لبيروت والتي امتدت على مدى يومين رافَقته خلالها في جولته على المسؤولين اللبنانيين وشاركت في المناقشات التي تناولت في جزء منها المشكلات التي يعانيها لبنان في قطاع الطاقة، إن على مستوى استجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية او على مستوى ملف الترسيم والدور الاميركي الوسيط بين لبنان والبنك الدولي كما الجانب الاسرائيلي.

 

وما تسرّبَ من هذه اللقاءات أوحى بأنّ شيا عبّرت اكثر من مرة عن ارتياحها الى مسار خطة هوكشتاين على خلفية ما أنجزه في مفاوضاته مع الجانب الإسرائيلي قبل وبعد زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة، والتي سمحت بإلقاء الضوء اكثر من اي وقت مضى على قطاع الطاقة المهتزّ في العالم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وترددات قَطع صادراتها عن عدد من الدول الاوروبية تزامناً مع بروز الحاجة الى ما تُنتجه دول شرق المتوسّط منها وما هو متوقع استخراجه في الفترة القريبة قبل حلول الخريف المقبل.

 

وفُهِم من مراجع ديبلوماسية انّ شيا كانت واضحة عندما تحدثت عن أجواء ايجابية توحي بتقدم حققه هوكشتاين في زيارته الأخيرة تزامناً مع زيارة بايدن لإسرائيل، حيث سمحت له المحادثات بتأكيد أهمية استئناف مفاوضات الترسيم وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة التي لا تتحمّل اي هزة امنية قد تودي بكل الجهود المبذولة من اجل وضع حد للحرب في أوكرانيا وتأمين حاجات العالم من النفط والغاز، وانّ اي انتكاسة امنية سترتدّ على الجميع بلا استثناء مع صعوبة وجود اي منتصر في هذه المواجهة.

 

ولفتت المصادر الديبلوماسية اللبنانية الى انّ الضغوط الاميركية لتهدئة الوضع ومنع الوصول الى اي انتكاسة امنية تهدف على المدى القريب الى تهدئة الداخل الاميركي الذي دخل في مدار الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي مطلع تشرين المقبل، وانّ بايدن وعدَ بخفض كلفة المحروقات على الاميركيين وهو يسعى لتحقيق ذلك مخافة ان يدفع ثمن ايّ تقصير في هذه الانتخابات لمصلحة الجمهوريين الذين يصوّبون على سياساته الداخلية وفشله في مواجهة ازمتي الطاقة والضمانات الصحية. فالاميركيون يقفون في طوابير وأرتال طويلة أمام محطات المحروقات التي حرقت جيبوهم ويعانون نقصاً في الخدمات الطبية التي اهتزّت بفعل جائحة «كورونا» وتجاوزت تداعياتها الى مجالات اخرى تتصل بكلفة التأمين الصحي بعد سقوط برامج عدة كانت قد طبّقت إبّان ولايتي الرئيسين السابقين باراك اوباما ودونالد ترامب.

 

على صعيد مُتلازم نُقل عن السفيرة شيا إشارتها في المناقشات الرسمية مع وفد «مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان» الى انّ الحديث عن «طريق مسدود» لا ينطبق على مهمة هوكشتاين، وانّ موعد عودته الى لبنان بات قريباً وقد لا يتجاوز نهاية شهر تموز الجاري. وهو ما عُدّ ردا مباشرا على موقف الرئيس نبيه بري في اللقاء مع الوفد عندما حذّر بعد إشارته الى أهمية موقف لبنان الموحّد من انه «لم يعد من وقت للمماطلة والتأخير في ترسيم الحدود البحرية والسماح للشركات التي رَست عليها المناقصات بمباشرة عملها، ولا مبرر على الاطلاق لهذا التأخير او المنع».

 

وفي السياق عينه، لفتت المراجع السياسية والديبلوماسية إلى انه لم يعد في قدرة الادارة الاميركية، التي يترجم خطواتها موفدها الى المنطقة، تجاهل الاقتراحات اللبنانية الاخيرة فقد لامسَت الصيغة الأخيرة المقترحة على هوكشتاين كل الخطوط الحمر في الداخل والمنطقة وأنه لا يمكن لبنان تقديم اكثر ممّا قدمه من اجل عملية الترسيم، وهو ما عبّر عنه المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم أخيراً باللغة التي يفهمها الاميركيون قبل غيرهم. فهو، وبعدما تجاوز ما هو مطروح من صيَغ، اعتبر بلغة حازمة انّ «ما سوفَ نصل إليه على مستوى ترسيم الحدود، هو أقل من حق، هو تسوية. الظروف الدولية والإقليمية للأسف، تفرض علينا أن نصل الى تسوية، فحقّنا ليس الخط 29 ولا 23، بل حقنا هو فلسطين كلها، وهذه تسوية مؤقتة، وكل ما نمر به في لبنان هو مؤقت… وهذه المياه هي فلسطينية، وليست اسرائيلية».

 

عند هذه المعادلة توقفت المراجع المعنية لتقول انه وبعد ان تجاوزت الادارة الاميركية تداعيات المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» في اتجاه حقل كاريش وتفهّمت الموقف اللبناني الذي تبرّأ منها، لا يمكنها ان تزيد من ضغوطها على لبنان وأنه لا بد من إنتاج صيغة تدفع مبادرتها الى الامام وان تنجح في التخفيف من حدة التهديدات الاسرائيلية في ضوء ما برزَ من انقسامات داخل الحكومة الاسرائيلية تَجلّت بمواقف يؤكد بعضها «أهمية البَت بالخلافات من ضمن الوساطة الاميركية». كما قال رئيس الحكومة يائير لابيد بعد جولته الجوية فوق حقل «كاريش» انه «يمكن للبنان الاستفادة من الغاز في مياهه عبر المفاوضات التي ينبغي إتمامها في أسرع وقت». فيما استمر آخرون في تهديداتهم، فلقد نُقل عن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس انّ «دولة لبنان وقادتها يدركون أنهم إذا اختاروا طريق النار فسوف يتضررون ويحترقون بشدة». ذلك انّ الانتخابات النيابية الإسرائيلية على الأبواب، وعاد بنيامين نتنياهو لينتظر لابيد وغانتس معاً «على الكوع» ومعهما اقطاب التحالف الحكومي الحاكِم اليوم، فباتوا امام استحقاقات صعبة.

 

وبناء على ما تقدّم فإنّ إشارة شيا في كلمة لها أمس الاول خلال إطلاق «مؤسسة مي شدياق» للتوصيات الخاصة لمشروع «تجديد الهياكل السياسية والاقتصادية في لبنان» الى «اننا قريبون من التوصّل الى النتيجة المرجوة في ملف ترسيم الحدود» لم يكن «زلة لسان» طالما انها صَبّت في سياق ما تسرّب من زياراتها الاخيرة.