IMLebanon

القطاع الاستشفائي: “الحكومي” يشحد و”الخاص” يخفّض تكاليفه

 

دمج ونقل ملكية وإقفال… في صفوف المستشفيات الخاصة

 

 

تتخبّط المستشفيات على غرار سائر القطاعات الإقتصادية في بحر الأزمات وزيادة النفقات الناجمة عن الكلفة التشغيلية المرتفعة التي ضاعفت تكلفة الإستشفاء نحو 16 مرة مقارنة مع فترة ما قبل تشرين الأول 2019. ووسط تلك المعمعة يتحمّل المواطن فارق تلك التكلفة، لذلك تراجع عدد المرضى الذين يلجأون الى المستشفيات، حتى باتوا يصلون اليها على “آخر نفس”.

هذا الواقع المرير استدعى من المستشفيات التي تتداعى وتقاتل للبقاء الى خفض نفقاتها، حتى أن ظاهرة جديدة شهدناها الأسبوع الماضي برزت من خلال اتفاق إدارة مستشفى “أوتيل ديو” مع الرهبانية التابعة لمستشفى “قرطباوي” و”السان شارل” على الدمج. ما طرح بعض التساؤلات حول إمكانية إعادة هيكلة القطاع، وما اذا كانت سائر المستشفيات الجامعية قادرة على الإستحواذ على الصغيرة منها؟

 

تعمل المستشفيات على مواجهة زيادة النفقات، لا سيما كلفة المازوت المرتفعة لتوفير الكهرباء. ولتحقيق تلك الغاية تسعى وزارة الصحّة الى اعتماد محاور عدة مع المستشفيات كما أوضح وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض لـ”نداء الوطن”:

 

أولاً: زيادة تعرفات المؤسسات الضامنة لخفض الفارق الكبير للفاتورة الإستشفائية التي يسددها المريض من جيبه.

 

ثانياً: لوزارة الصحة حصة بقيمة 1600مليار ليرة في احتياطي الموازنة والتي أقرّ مجلس النواب نقلها ضمن احتياطي الموازنة. ما سيساعد الوزارة على دعم الاستشفاء من خلال زيادة التعرفات، وملف الدواء، وخصوصاً في مراكز الرعاية لتأمين عدد اكبر من الادوية للامراض المزمنة، على أن يبدأ المواطنون بلمس هذا الموضوع قريباً.

 

ثالثاً: في ما يتعلق بموضوع الطاقة، يقول: “كنا نتساعد مع المستشفيات للبحث في موضوع الطاقة البديلة. حتى أن بعض المستشفيات عمد الى تركيب طاقة بديلة للتخفيف من كلفة المازوت. وهناك محاولة من وزارة الطاقة للحصول على قروض ميسّرة لمساعدة المستشفيات على تركيب الطاقة البديلة والتي تخفّف عنهم فاتورة المازوت”.

 

ماذا عن إعادة الهيكلة؟

 

يقول الأبيض إنه في الظروف الصعبة عادة وعندما تزيد التكاليف، أولى الأمور التي يمكن القيام بها من قبل المستشفيات هي إعادة هيكلة القطاع أو الدمج كما حصل حالياً بين مستشفى “أوتيل ديو” ومستشفى “قرطباوي” والـ”سان شارل”. لأن من شأن ذلك خفض كلفة المصاريف، ووزارة الصحة ترحّب بتلك الخطوة لأن من شأنها تأمين استمرارية عمل مستشفيين بدلاً من تعريضهما للإقفال… وحول الدور الذي تلعبه “الصحة”، أشار الى أن “نسبة 80 في المئة من المستشفيات هي خاصة وإدارتها مستقلة عن وزارة الصحة. وبالتالي لا يمكن للأخيرة أن تملي عليها ماذا يجب أن تفعله، ولكن تلعب دور الجهة الناظمة فيتم وضعها بصورة ما سيحصل من دون حصول المستشفيات الخاصة على إذن وزارة الصحة لتقدم على التصرّف بمحفظتها المالية”.

 

وعدّد الأبيض حسنات عملية الدمج كالتالي:

 

1 – بدل أن يكون لكل مستشفى إدارة مالية وقسم للمشتريات، يمكن أن يكون لمستشفيين أو ثلاثة مستشفيات إدارة مالية واحدة.

 

2 – إذا كانت المستشفيات الصغيرة تحتاج الى السيولة فتدعمها الكبيرة التي تحصل على أسعار مخفضة في المشتريات لأن طلبياتها أكبر…

 

3 – يمكن للمستشفى الدامج أن يزوّد المدموجة بأطباء أو ممرّضين…

 

مساعدات من قطر وتركيا

 

أما بالنسبة الى المستشفيات الحكومية، فهي تعاني على غرار المستشفيات الخاصة، ونحاول دعمها قدر الإمكان علماً أن دعم الحكومة منها أسهل، اذ نحصل على مساعدات دولية باعتبارها مستشفيات لا تبغي الربح. فتمّ توفير المازوت للمستشفيات الحكومية من خلال هبة قطرية بقيمة 5 ملايين دولار. ونسعى مثلاً اليوم لتزويد المستشفيات الحكومية بـ90 طناً من المستلزمات الطبية من تركيا ما يخفّف من حمل الأعباء عليها. فتستمرّ في أداء عملها من جهة، ومن جهة أخرى لتوفير الإستشفاء للمرضى من دون تقاضي فروقات بالدولار الأميركي كما يحصل في المستشفيات الخاصة.

 

معركة الوجود

 

وأكّد الأبيض أن الهمّ الأكبر هو التمكن من دعم القطاع الإستشفائي للصمود والإستمرار في ظلّ الظروف الصعبة جداً. ولغاية اليوم ورغم كل الظروف الصعبة، أكان في التكاليف المرتفعة أو هجرة الكوادر الكفوءة الطبية والتمريضية، لا يزال القطاع الإستشفائي يؤدي عمله ولا نشهد عمليات إقفال للمستشفيات.

 

وفي ما يتعلق بتوجّه المستشفيات نحو الطبابة العامة، قال الأبيض إن “المستشفيات الجامعية الكبيرة تأثّرت بهجرة الأطباء الأخصائيين. ولكن بشكل عام الخدمات المهمة لا زالت موجودة مثل عمليات زرع وجراحة الأعضاء أو القلب المفتوح لكن ليس بكل المستشفيات، إذ أقفلت مستشفيات بعض الأقسام منها ولكن تلك العمليات الجراحية لا زالت معتمدة في القطاع الإستشفائي. وحول توفّر طاقم العمل خصوصاً الأطباء المتخصصين، قال إن “قسم العناية الفائقة عند الأطفال على سبيل المثال كان يضم 12 أو 13 طبيباً في هذا المجال، اليوم انخفض العدد الى 6 أو 7 أطباء. ولكن لا يزال هذا القسم مفتوحاً ومتوفّراً ولم نقفل هذا الإختصاص”.

 

وهل يمكن القول ان المستوى الإستشفائي لا يزال جيّداً أو بات أقل جودة ؟

 

أكّد الأبيض أن “المستوى الإستشفائي لا يزال مرتفعاً وخصوصاً لدى المستشفيات الجامعية ولكن بعض تلك الخدمات خصوصاً في المناطق البعيدة تأثّر. فبعض أنواع العمليات كان متمدداً الى خارج بيروت وجبل لبنان، اليوم بات يضطر المريض الى قصد مستشفى معين في بيروت وجبل لبنان للحصول على تلك الخدمة. وهذا الأمر مزعج للمريض الذي يتوجّه مع عائلته الى منطقة بعيدة عن مسكنه. وما يهمنا أن نحافظ على أداء الطبابة في المناطق البعيدة على مستوى معين”.

 

واعتبر في ظلّ المصاعب المالية ونقص الكوادر البشرية أن القطاعين الصحي في لبنان عموماً والإستشفائي خصوصاً، أثبتا أن لديهما قدرة على المقاومة. فقطاع الصحة صلب ويستطيع التغلّب على الكثير من المشاكل وإيجاد الحلول. من هنا “جلّ ما يهمنا كدولة توفير الدعم عبر زيادة التعرفة والحصول على مساعدات”.

 

خيارات قاسية

 

أما في ما يتعلق بالتطورات التي سنشهدها في المرحلة المقبلة بالنسبة الى مستشفيات القطاع الخاص، أوضح نقيب اصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أنها خفضت نفقاتها بتقليل عدد الأسرة الشغالة بحدود 40 أو 50% تقريباً، ومقابل ذلك تمّ تسريح موظفين.

 

وبالنسبة الى إمكانية تكرار عملية الدمج التي حصلت وتعميمها لتقوية القطاع الإستشفائي المترنّح، أكّد هارون أن “مستشفى “أوتيل ديو” يحظى بدعم كبير ولديه جامعة، فأبرم اتفاقاً مع الرهبنة التي تملك الـ”سان شارل” و”قرطباوي” لإدارة وتشغيل المستشفيين لمدة 50 سنة. وهذه العملية لا يمكن تعميمها على كل المستشفيات لأنه يجدر أن يكون لدى المستشفى الدامجة القدرة المادية والعناصر البشرية لتأخذ على عاتقها مستشفيات أخرى. وهذا لا يتوفّر في مستشفيات أخرى يمكلها أفراد من عائلة واحدة أو شركاء”.

 

ويتوقّع هارون أن “نشهد في المدى المنظور إقفال عدد من المستشفيات أو بحالات أخرى إنتقال الملكية أو الإستثمار الى أفراد جدد، وأستبعد إفتتاح مستشفيات جديدة”.

 

وحول تخصيص مبلغ 1600 مليار ليرة لدعم القطاع الطبي وزيادة تعرفات المستشفيات ومساهمة ذلك في دعمها، اوضح هارون أنه فعلاً سيتم تسديد جزء من المتأخرات المترتبة على المستشفيات الخاصة والبالغة نحو 3000 مليار ليرة لبنانية، لدى الجهات الضامنة الرسمية ورفع التعرفات. ولكن لن تحلّ المشكلة كون الكلفة الإستشفائية ضربت بـ16 ضعفاً بالليرة اللبنانية عما كانت عليه سابقاً. ومن المستحيل أن تزيد الجهات الضامنة الرسمية التعرفات بهذا المعدل. لكن في المقابل ستخفّف بشكل كبير الأعباء على المرضى، بمعنى أن الفروقات التي تستحصل عليها المستشفيات تصبح أقلّ.

 

ويضيف: يبقى عدد الأسرة في المستشفيات الخاصة جيداً ويكفي عدد المرضى ولا يتجاوز 6000 سرير مقارنة مع 11000 سرير قبل تفشي الأزمة، كما أوضح هارون، وذلك بسبب تراجع عدد المرضى الذين يقصدون المستشفيات جراء عدم قدرتهم مادياً على الدخول الى المستشفيات إلا في الحالات الطارئة والضرورية.

 

التعرفة الإستشفائية: 1500 و3500 و 3900 و6000 ليرة

 

الزيادات التي طرأت على الكلفة الإستشفائية من الجهات الضامنة (وزارة الصحة وتعاونية الموظفين والضمان الاجتماعي…) في العامين والنصف الماضيين:

 

– مقابل كل فاتورة تسددها وزارة الصحة يدفعها البنك الدولي مجددّاً مرتين ونصف، اي عملياً (من دون فواتير الأدوية وغسيل الكلى التي لا تشمل مدفوعات البنك الدولي)، أي ما يعادل زيادة في التعرفة الى قيمة تتراوح بين 3500 و 4000 ليرة لبنانية للدولار الواحد بدلاً من السعر الرسمي 1500 ليرة لبنانية.

 

– الطبابة العسكرية وتعاونية الموظفين ارتفعت 4 مرات، أي وفق سعر صرف بقيمة 6 آلاف ليرة للدولار.

 

– قوى الأمن الداخلي رفعت قيمة الدولار الإستشفائي الى 3900 ليرة.

 

– الضمان الإجتماعي لا تزال تعرفاته هي نفسها وفق سعر الصرف الرسمي للدولار على الـ 1500 ليرة لبنانية.

 

الدولار الإستشفائي 21 إلى 22 ألف ليرة

 

بينت دراسة قامت بها المستشفيات كما اشار سليمان هارون الى أن كلفة الدولار الإستشفائي تبلغ فعلياً نسبة 70% من قيمة الدولار في السوق السوداء أي نحو 21 أو 22 ألف ليرة لبنانية. وهنا يبدو الفارق بين رفع التعرفات للمؤسسات الضامنة والكلفة الفعلية. لذلك أعرب هارون عن شكوكه في أن تتمكن الجهات الرسمية من رفع تسعيرة الدولار الإستشفائي من خلال زيادة التعرفات الى السعر الحقيقي خصوصاً أن سعر صرف الدولار يرتفع بشكل مستمرّ ولا تستطيع الجهات الضامنة أن تلحق بركبه.