IMLebanon

كيف يساهم المجتمع الدولي في حماية لبنان من الإرهاب؟

خلال العام المنصرم أظهرت معظم الاستطلاعات التي تناولت مسألة الحرب ضد الإرهاب أن كثيراً من شعوب دول حلف الأطلسي تشعر بأن القصف الجوي وحده لا يكفي لمحاربة الإرهاب. ويميل الذين يعبرون بالاستفتاءات والاستطلاعات عن وجهة النظر هذه إلى الاعتقاد بأن تلازم هذا القصف مع إشراك قوات برية في الحرب ضد الإرهاب شرط رئيسي من شروط القضاء على الإرهاب الدولي.

هل يعني ذلك أن أصحاب هذا الرأي يؤيدون الزج بقوات برية في المشرق لمحاربة «داعش»؟ في هذه الحال ما هو المقصود بالقوات البرية؟ هل تكون قوات برية أطلسية؟ وما هو حجم القوات البرية؟ هل تصل إلى حجم القوة التي غزت العراق عام 2003؟ وما هو الهدف من إشراك القوات البرية المقترحة؟ هل يكون القضاء المبرم على الإرهاب؟ أم أنه احتواء الإرهاب وتعطيل مفعوله مما يؤدي إلى انكفائه ومن ثم اضمحلاله؟

أخيراً لا آخراً، كيف تؤثر هذه الخيارات والسيناريوات في دول المنطقة مثل لبنان؟ وهل يستطيع اللبنانيون أن يضطلعوا بدور مؤثر في ترجيح كفة هذا الخيار أو ذاك بما يخدم، في نهاية المطاف، المجتمع الدولي ولبنان؟

يستند الذين يقللون من فاعلية القصف الجوي في تحقيق الحسم العسكري إلى تجارب عدة في التاريخ. فالقصف الجوي الذي استخدمه الألمان ضد المدن البريطانية في بداية الحرب العالمية الثانية لم يفضِ إلى انكسار الروح القتالية البريطانية لأن بريطانيا تمكنت بسرعة من استيعاب القصف والتأقلم مع نتائجه وأضراره، بحيث لم تكن له الآثار المباشرة والمقدرة. لقد توقع الألمان النازيون أن تكون له نتائج حاسمة في بريطانيا، الدولة الصناعية المتقدمة، بخاصة أنهم كانوا يوجهون القصف لضرب وتدمير البنى التحتية للمجتمع ولتدمير منشآته الحيوية. فهنا يصاب الاقتصاد عادة بالشلل وتتعطل دورة الحياة في البلدان التي تتعرض للقصف الجوي المركز.

ولكن من المفارقات أن القصف الجوي الذي يمارس في دول مثل العراق أو سورية اللتين تعانيان من انتشار الدمار أصلاً، لن يكون له نفس المفعول. فدول المنطقة باتت مفككة ولم يعد للقصف الجوي أن يؤثر عليها. إنها اليوم ليست بالدول النامية التي وصلت إلى مقدار مرموق من التقدم وبالتالي التداخل بين قطاعاتها الحيوية والمنتجة. على العكس من ذلك، إنها أجسام مقطعة الأوصال، بحيث لم يعد للقصف الجوي أن يزيدها تشظياً. هذا الواقع ساعد «داعش» على الإمساك بالأرض وإقامة «دولته» على مساحة واسعة من أرض سورية والعراق.

إن قسماً من الذين يشككون في فاعلية القصف الجوي يعتقدون، كما قلنا أعلاه، بأهمية الزج بقوات برية ضد الإرهاب في سورية والعراق. والمقصود بالقوات البرية هنا مزيج من القوات الأميركية والأطلسية والقوات «الحليفة» و»المحلية». لقد كانت الإدارة الأميركية والرئيس أوباما بصورة خاصة ضد إرسال قوات أميركية إلى العراق. ففي نهاية العام المنصرم قال الرئيس الأميركي إن هذا العمل سوف يؤدي إلى «دخول حرب مكلفة وطويلة الأمد في العراق وإذا احتلينا أرضاً أجنبية، فإن داعش سوف يستمر في أعماله الإرهابية لسنوات، فيقتل الآلاف من قواتنا ويجفف مواردنا وطاقاتنا».

لقد تمسك أوباما بموقفه المعارض لإرسال قوات أميركية كبيرة تشترك في القتال على نطاق واسع، ولكنه لم يعارض إرسال عدد من «الخبراء» و»المستشارين» الأميركيين إلى العراق وسورية كما فعل خلال صيف عام 2014 عندما سمح بإرسال 300 من هؤلاء إلى العراق لكي يساعدوا القوات الحكومية في حربها ضد «داعش». وفي أعقاب «الربيع العربي» بات مصطلح «القوات الخاصة» يتردد في أروقة السياسة العربية وفي خضم الحروب والصراعات الملتهبة التي تمر بها المنطقة. وتعمل هذه القوات عادة في إطار العلاقات الثنائية وفي الظل وبعيداً عن مسارات الشرعية الدولية. إن المهمة الرئيسية لهذه القوات هي محاربة الإرهاب ومنظماته. ولكن خبرات هذه القوات والتفويض الموكل إليها يسمح لها عادة بالتوسع في تحديد وتقصي ومتابعة الحرب على الإرهاب. وفي هذا السياق تضطلع القوات الخاصة بدور مهم ومفصلي في بناء التحالفات بين الدول التي تنتمي إليها وتعمل تحت إمرتها، من جهة، وبين الدول والقوى الحليفة لهذه الدول، من جهة أخرى.

ينتمي أكثر المستشارين والخبراء والقوات الخاصة إلى دول الأطلسي الرئيسية وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وفي المراحل الأخيرة إلى ألمانيا. أما القوى المحلية فإنها لا تصنف بحسب انتمائها الوطني، وإنما وفقاً «لمزيج مركب من الانتماءات»، كما يصفها جيمس ف. جيفري، أحد الباحثين الرئيسيين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، والسفير السابق في العراق وتركيا. ويضم هذا الخليط من الحلفاء «قوات عراقية من مختلف المستويات، ميليشيات متنوعة، بوليس محلي، قبائل سنية، وجماعات كردية متعددة». أما العصب الحساس الذي يوجه هذا الخليط من الجماعات والمكونات فيمكن توفيره في قوات-نخبة ترسلها واشنطن إلى العراق لمحاربة «داعش» و «جبهة النصرة». ويعتقد السفير السابق أن تكوين قوات من هذه الجماعات التي تعمل بإمرة العسكريين الأميركيين لن يكون صعباً وأن العدد التي تحتاجه لقتال «داعش» واستنزافه وتحييده لن يكون كبيراً.

جدير بالذكر أن هذه الفكرة، أي تشكيل قوات محاربة «حليفة» و»محلية» بنواة أميركية من الفرق الخاصة تتردد في كتابات كثيرة وعلى ألسنة العديد من الأميركيين والأوروبيين المعنيين بمحاربة «داعش». وهناك اعتقاد أن هذا النمط من القوات سوف يوفر القوة المحاربة ذات الكفاءة والاندفاع والانضباط لها وللعاملين في إطارها. كذلك فإن حجم الأميركيين أو الأطلسيين العاملين في مثل هذه القوات لن يكون كبيراً إلى درجة تثير قلق الرأي العام في دول الأطلسي الرئيسية. ولكن ما يلفت النظر هنا هو أن المطالبين بمثل هذا الخيار يستبعدون سلفاً المخاوف التي عبر عنها باراك أوباما حينما حذر من الانزلاق إلى حرب واسعة النطاق وإلى التصعيد العسكري الذي تفرضه طبيعة الصراع بين الغرب والملتحقين به، من جهة، وبين جهة تنسب لنفسها الانتصار للمعتقدات الإسلامية، من جهة أخرى. أكثر من ذلك، أن هذا النوع من الخيارات يقلص، على نحو لافت للنظر أيضاً، دور شعوب المنطقة في الدفاع عنها وحمايتها من الإرهاب والإرهابيين.

في هذا السياق الأخير يأتي تجاهل دور لبنان واللبنانيين، وتجاهل دور القوات المسلحة اللبنانية الذي لا يستحق التقدير فحسب، بل يستحق الدعم الحقيقي. لقد كان الدور اللبناني سواء في محاربة الإرهاب أو في استقبال اللاجئين والسوريين موضع تنويه مسؤولين أمميين من بينهم بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان. كذلك كان هذا الدور محط اهتمام وتقدير مجلس الأمن خلال شهر تموز (يوليو) الفائت. فضلاً عن ذلك، كان دور لبنان، وأداء الجيش اللبناني موضوع إشادة سيغريد كاغ، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان التي طالبت بدعم المؤسسة العسكرية اللبنانية بقوة.

إن مثل هذا الدعم يغني دول الأطلسي عن إرسال قواتها إلى المنطقة، ويغني لبنان عن الأمن المستورد وعن الدخول في اتفاقيات فاوستية نعرف كيف تبدأ ولكن لا نعرف كيف تنتهي. لن يضير لبنان أن يتلقى مساعدات تعزز قدراته على مقاومة الإرهاب وعلى مقاومة أية جهة تريد حرمان شعبه من حقوقه ومن الحياة الكريمة. ذلك أن اللبنانيين يعرفون اليوم أنهم لا يخوضون معركة الدفاع عن لبنان فحسب، بل أنهم في صلب الدفاع عن الحضارة الإنسانية عموماً. وتعزيز القدرات الدفاعية اللبنانية يبدأ بمساعدة لبنان على تطبيق خدمة العلم. لقد اعتمد لبنان خلال أصعب الظروف التي مر بها على رأسماله البشري. واليوم يعتمد لبنان مرة أخرى على المصدر الرئيسي لاستمراره. هذا لا يقلل من أهمية المساعدات التقنية والعسكرية التي تقدم إلى لبنان، ولكنه يكملها ويساعد على تحصين لبنان وشرق المتوسط ضد الإرهابيين والإرهاب.