IMLebanon

أشعر بالخوف الشديد على لبنان

 

أشعر بالخوف والارتباك الشديدين من المصير المجهول الذي يسيطر على مستقبل لبنان والمنطقة على حد سواء، وأشعر بالخوف الشديد من تعاظم عمليات الارتجال في الاصطفافات والتموضعات الغوغائية في عمليات النزاع المحلية والاقليمية والدولية، وأشعر بالخوف الشديد من التطيّر السياسي اللبناني وتبسيط تحديد وقائع ومسارات الأحداث القادمة، من حروب ومواجهات والدخول في رهانات على هذا الفريق أو ذاك، وأشعر بالخوف الشديد لعدم وجود مساحات وطنية آمنة على مستوى الأحزاب والتيارات أو نخبة قادرة على لمّ الشمل أو رفع الأنقاض السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية القادمة.

 

أشعر بالخوف الشديد على لبنان عندما استحضر كل تلك السنوات الطويلة من الغضب والنزاع والاحتلالات وما نتج عنها من قتل ودمار وانهيار، وأشعر بالخوف الشديد كلما سمعت خطاب التباهي بالوصايات الخارجية والاستخفاف بمصير أجيال لبنان، وأشعر بالخوف الشديد من شغف العنف المدمر لدى معظم الأفرقاء وانتقال عدْواه بين الأجيال وتشريع ثقافة الكراهية بين المكوّنات الوطنية وداخل كل المكوّنات، وأشعر بالخوف من الإمعان في تفكيك أسباب فكرة الدولة والمؤسسات والاستخفاف بالمشاعر الوطنية والانتماء إلى لبنان.

 

أشعر بالخوف الشديد من الدقائق والساعات القادمة التي قد تحمل في طياتها ما لا تُحمد عقباه، من تهديدات مالية وأمنية وعسكرية وما قد تحمله من ويلات، وأشعر بالخوف الشديد عندما لا أجد دولة في الجوار قادرة على إنقاذ نفسها أو إنقاذ لبنان، ودول العالم الكبرى منشغلة بخفض النزاع وليس في إحلال السلام، وأشعر بالخوف من أحاديث الهمس والاستهبال لدى روّاد المعلومات والتوقعات التي تبشر بانتصار فريق على آخر في لبنان، وتلك المأساة عرفتها مرات ومرات على مدى سنوات طوال، وكانت النتيجة خسارة الجميع عندما نخسر لبنان.

 

أشعر بالخوف الشديد عندما أرى كل تلك الاحتفالات والمهرجانات ولا أسمع قصيدة جديدة أو أغنية تحاكي الوجدان الوطني لدى الأجيال، أشعر بالحزن الشديد عندما أجد الصغار والكبار يتجرأون على الوطن ويُشهرون الطاعة والولاء للغرباء، أشعر بالخوف ليل نهار من يوم قد يأتي تأكل فيه وحوش السلطة كل ما يذكّر بلبنان الإنسان، أشعر بالخوف الشديد من لحظة استهون فيها الخيانة والغدر والانتقام وأن أخلط الكراهية الشخصية بالقضايا الوطنية العامة كما يحدث في وسائل التواصل والإعلام.

 

أشعر بالخوف الشديد من أن يأتي يوم لا أستطيع فيه أن أشهر حبّي وولائي لوطني لبنان خوفاً من الأهل وبقايا المعارف والأصدقاء، وأشعر بالخوف من أن يأتي يوم أتنكر فيه لحق الأفراد في حرية التعبير والاختيار، وأشعر بالخوف من استعباد أمراء الطوائف والكراهية والنزاع للأجيال القادمة وتدمير أحلامهم وتبديد طاقاتهم من أجل اللاشيء الذي تحكّم بمصير لبنان منذ مئة عام.

 

وأشعر بالخوف الشديد من ألا يفهم السيدات والسادة العظماء من أصحاب المقامات والتجارب والخبرات وقدامى المناضلين والكتّاب الكبار وأهل الاختصاص وأولاد العائلات الكرام وآخرين من ورثة الفشل والأوهام والخيبات والنكبات والهزائم وبقايا الأيديولوجيات بأن كل ما تبقى لديهم هو وطنهم الجريح العاجز، المجزوء السيادة والمُقطّع الأوصال الغارق في الفوضى والأزمات والغرائز والشعبويات، أخاف ألا يدرك كل هؤلاء، المنشغلين بالبحث عن جنس الملائكة، أنّ ما يبرر وجودهم في لبنان الآن، هو التعبير عن الخوف الشديد على لبنان.