IMLebanon

فيما لو مَرّ 2018 بلا حكومة

 

ما هي الترجمة الاقتصادية للوضع الحكومي القائم، وما هي التداعيات المتوقعة في حال لم يتم تشكيل حكومة في العام 2018، وهو امر غير مستبعد، وفق المعطيات القائمة حاليا، وما دام لا يفصلنا عن هذا الموعد سوى اربعة أشهر وثلاثة أسابيع فقط؟

لا تبدو التداعيات المالية والاقتصادية المتوقعة لأي تأخير طويل في تأليف الحكومة العتيدة، بسيطة ويمكن أن تُعالج لاحقاً من دون خسائر باهظة وموجعة. وقد بات معلوماً، أن البلد وصل في العام 2017 الى مستوى متقدّم من الخطورة على مستوى وضع المالية العامة، ووضع الاقتصاد بشكل عام.

وكان الرهان قائما على فكرة انه سيتم الانتقال من مرحلة الى مرحلة جديدة مختلفة، بمجرد انجاز الانتخابات النيابية، واعادة تكوين السلطة، والانطلاق بحكومة قادرة على تحقيق النقلة النوعية.

استناداً الى هذا الاعتقاد، جرى ترتيب الاوضاع المالية على اساس ان شراء الوقت، ولو بكلفة مرتفعة، يبقى خيارا صائبا، ما دامت ورشة الانقاذ ستبدأ، وتحتاج فقط الى فترة سماح اضافية لتقطيع الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة العهد الاولى، كما كان يسمّيها رجال العهد.

وجاء انعقاد مؤتمر باريس (سيدر) قبل الانتخابات النيابية، ليزيد في القناعة بأن القصة قصة وقت فقط قبل ان ينطلق البلد في رحلة العودة الى تطبيع الاوضاع المالية والاقتصادية، والخروج من دائرة الخطر المتواجد فيها.

في هذا المناخ، جرى إقرار موازنة 2018، والتي جرى توصيفها بالانجاز التاريخي، لأنها جاءت بعد انقطاع دام 10 سنوات، عاش البلد خلالها بلا موازنة. وقيل في هذا «الانجاز» ما عجز عن قوله المتنبي في سيف الدولة. مع ان الواقع غير ذلك تماما، وبات معلوماً انه تم اخفاء قسم من الانفاق في طيات الموازنة، لخفض قيمة العجز ظاهرياً، والذهاب لمواجهة العالم في باريس بأرقام معقولة.

في كل الاحوال، لم يكن الموضوع مرتبطا بالارقام التي يعرفها المجتمع الدولي أكثر من اللبنانيين، بل بإرادة المساعدة، شرط ان يقوم لبنان بمساعدة نفسه.

اليوم، وبعد مرور الانتخابات، والدخول في نفق اعادة تكوين السلطة التنفيذية، والتي لا يبدو انها ستنتهي بسرعة، يُعاد طرح السؤال التالي: هل يستطيع البلد الصمود ماليا واقتصاديا في حال مرّ 2018 بلا حكومة؟ وما هي الانعكاسات التي يمكن ان يواجهها اللبنانيون؟

في التوصيف الموضوعي للتداعيات يمكن سرد اكثر من نقطة، لكن الأساس يبقى في عدم التمكّن من إقرار موازنة للعام 2019، وهذا يعني العودة الى المربع الاول، ومن هذه النقطة يمكن الانطلاق لتسجيل المخاطر التالية:

اولا- الانفاق وفق القاعدة الاثني عشرية في 2019، يحتّم الخروج على أرقام 2018، على اعتبار ان قسماً من المستحقات جرى ترحيلها الى العام 2019 في حينه لتخفيف أرقام العجز.

ثانيا – لن يبدأ العمل في تطبيق مشاريع «سيدر»، والتي يعلّق عليها الاقتصاديون أهمية كبيرة في تحريك عجلة الاقتصاد والاستثمارات، وفي تنفيذ اصلاحات إلزامية مرتبطة بالمشاريع.

ثالثا – توجيه ضربة اضافية الى سمعة البلد المالية في الخارج، في توقيت حسّاس لم يعد الوضع يحتمل المزيد من السلبيات.

رابعا – ضغوط كبيرة على اسعار الفوائد التي ارتفعت حاليا الى مستويات مُقلقة بسبب تأثيراتها على أمور عدة، من ضمنها ارتفاع كلفة خدمة الدين العام بوتيرة أسرع من السابق، تجميد كل امكانات الاستثمارات الجديدة، او حتى توسيع الاستثمارات القائمة، تعقيد مسألة القروض المدعومة أكثر ممّا هي صعبة اليوم.

خامسا – ضغط اضافي على اسعار سندات اليوروبوند في الاسواق العالمية، بما قد يقود الى ضغوطات اضافية على عمليات التمويل الداخلي، ويشكل خطرا على تصنيف البلد الائتماني.

سادسا – عدم القدرة على المشاركة في مشاريع اعادة اعمار سوريا، والتي تبدو اليوم وشيكة اكثر من أي وقت مضى. خصوصا انه في غياب الحكومة، لن تكون هناك امكانية حقيقية لتفاهم لبناني داخلي على كيفية مقاربة هذا الموضوع وفق ما تقتضيه المصلحة، ومن دون كيدية سياسية.

في كل الاحوال، أظهرت تجربة الباخرة التركية المجانية لمدة ثلاثة اشهر، المدى غير المنطقي الذي تستطيع أن تبلغه المناكفات والكيدية السياسية، والأهم تعاطف الضحية مع جلدِ الذات، من أجل «كسب» وهمي. وفي اطار هذه العقلية، يمكن الجزم بلا مبالغة، ان المنطق السياسي الطائفي الذي يحكم العقليات، يستطيع ان يتجاوز بسهولة منطق حرق الشروال نكاية بالجار، الى مرحلة الانتحار لتحاشي الحوار.