IMLebanon

الجهل شرط للمعرفة… وأتمنى أن لا أكون الحمار الوحيد

أن نعترف بأننا لا نعرف أو لم نفهم ليس عيباً.. لأن الجهل هو شرط للمعرفة، لذلك نقول اكتشفت أو عرفت أي أن الأمر قبل معرفته كان مجهولاً.. لذلك قيل أن الإنسان عدو ما يجهل.. وكل ما هو معلوم الآن كان مجهولاً من قبل، وبذلك تكون المعرفة هي تراكم الخصومة العميقة بين الإنسان العاقل وجهله..

لا أخجل من كوني لا أفهم شيئاً مما يحدث في لبنان كما كان الحال في الأيام الاولى لثورات الربيع العربي التي اكتشفنا في ما بعد أن الثوار أنفسهم لم يكونوا يعرفون ما يحدث حتى أنهم لم يحددوا المكان الذي اعتصموا فيه.. وأن «خالد سعيد» كان حملة افتراضية عند النشطاء والثوار.. وكان فرصة حقيقية عند مكونات السلطة التي تريد تجديد نفسها وأحجامها..

ذهب الثوار النشطاء إلى بيوتهم وجددت السلطة شبابها.. وضاع هامش الحرية الذي عاشه الشباب أيام الميدان وتحول إلى ذعر وهواجس أمنية ومؤامرات.. وهنا نستطيع أن نصحح شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» إلى شعار «الشعب يريد الانتحار من أجل تجديد النظام»..

الذي أعرفه الآن هو أن النظام الطائفي في لبنان غارق بالنفايات والفساد حتى أذنيه.. والفشل السياسي للنظام الطائفي يكاد يكون في كل ناحية ومجال.. من الرئاسة إلى الحكومة إلى البرلمان إلى الإدارة والمؤسسات.. والطائفية في لبنان تملك الأرض ومن عليها ومستعدة أن تشتري خلاصها بأغلى الأثمان كما فعلت قبل ذلك مراراً بدماء اللبنانيين ودمار البلاد لكي تعيد كل دعاة الحرية والتّقدّم إلى معتقلات الطائفية السياسية اللبنانية..

 كل ما يقال من الثوار والحكام والمرجعيات غير واضح لا بل غير مفهوم، وفراشات الحرية الثائرة والمنجذبة ستحترق بنار القادرين على إشعال الحرائق والتي رأينا بعضها قبل أيام.. ومعها ستحترق الأماكن ووسائل التواصل الاجتماعي.. وسيُدَمّر جيل جديد كما دُمِّرنا نحن من قبل حيث اُستِخدمنا وقوداً لإنضاج تسويات تعيد للنظام الطائفي شبابه..

حاولت أن أبحث عن أسباب الثورات اللبنانية  ، فتابعت كلّ ما قيل وما لم يقال وتحدثت مع الكبار والصغار، والنتيجة كانت أنّه ليس هناك إثنان في لبنان متفقان على معنى ما يحدث.. وعندما لم أجد تفسيراً للثورات اللبنانية الجديدة، ذهبت في البحث عن أحوال السلطة لأنّ المنطق يقول، أن الثورات تقوم في وجه الأنظمة وتكون غايتها إسقاط السلطة.. وبتواضع شديد لم أجد أي أثر لوجود الدولة أو السلطة أو النظام اللبناني في الوعي أو الواقع..

إنّ الحقيقة الوحيدة المتفق عليها في لبنان هو عدم وجود النظام الذي يطالب الثوار بإسقاطه، وبذلك يصبح الأمر أكثر صعوبة لأنّه عندما لا يكون لدينا نظام أو سلطة، فكيف نفهم شعار الشعب يريد إسقاط النظام؟ وذلك يأخذنا إلى سؤال آخر وهو هل ما نراه الآن هو إنقلاب من أجل إعادة تكوين السلطة؟ أي هل لبنان الآن يشبه سوريا الستينات؟ أيام كانت الانقلابات تحدث كل أسبوع بمجرد الوصول الى الإذاعة وإعلان البلاغ رقم واحد.. فيما الثورة الآن تحتاج إلى «ستاتس» أو «تويت» على وسائل التواصل الاجتماعي أو مجرد الظهور على إحدى شاشات تلفزيونات القطاع الخاص..

أعترف بجهلي المطلق في فهم ما يحدث، وكأني في مجتمع إفتراضي ودولة افتراضية وثورة افتراضية أيضاً، وكأنّي مواطن في اللا وطن واللا دولة واللا كيان واللا مجتمع، يعني وهم بوهم، وأتمنى أن لا أكون وحدي على هذا الحال، لأنّ الجميع لديهم إجابات على كلّ الأمور وليس لديهم أي سؤال.. وطبعاً لكلّ قاعدة إستثناء، فإذا كانت القاعدة تقول بأنّ اللبنانيين عباقرة وأذكياء ويعرفون كلّ شيء، عندها يكون الإستثناء هو أن بعض اللبنانيين غير أذكياء وأغبياء.. وأعترف بأنني لم أفهم ولا أعرف ما يحدث ولا أزال عدو ما أجهل لأن الجهل شرط للمعرفة.. وأتمنى أن لا أكون الحمار الوحيد في لبنان.. وذلك ليس إنتقاصاً من الحمار..