IMLebanon

وَهمُ الإتفاق النوَوي

كلّ الأحاديث في البلاد تتناول الزلزالَ الذي سيضرب المنطقة بعد التوقيع على الاتفاق النوَوي منتصَف هذا الشهر أو نهاية حزيران في الحَدّ الأقصى، حيث تمَّ تعليق كلّ شيء على ساعة هذا الاتفاق من الانتخابات الرئاسية إلى الانفراجات الإقليمية. ولكن كلّ هذه التوقّعات مجرّد أوهام.

فما بعد التوقيع، إذا حصل، سيكون كما قبله. وفي حال تمَّ الالتزام بتعهّد التوقيع بدلاً من التمديد مجَدّداً، فسيكون مجرّد اتفاق إطار، أي على طريقة «اتفاق أوسلو» بين «منظمة التحرير الفلسطينية» وتل أبيب، وبالتالي من المبكِر الكلام عن اتّفاق نهائي، فلا طهران مستعدّة لتوقيع اتفاق من هذا النوع لأسباب أيديولوجية وسياسية ومبدئية، ولا واشنطن كذلك، لسبَبين: رفضُ طهران تقديمَ المزيد من التنازلات، وعدم قدرة واشنطن على تقديم مزيد من التنازلات.

فالحَلّ سيكون باتّفاق إطار ينقِذ ماءَ وَجه الرئيس باراك أوباما الذي بَنى كلّ عهده وآماله على هذا الاتفاق، ويساعد إيران على التخفيف من العقوبات الاقتصادية التي أنهكَتها إلى درجة يمكن القول معها إنّ مفاعيل هذه العقوبات بدأت تظهر اليوم على الأرض والاستمرار فيها سيؤدّي إلى إنهاك إيران.

فالمرشِد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي لن يوقّعَ اتفاقاً نوَوياً نهائياً مع الغرب وتحديداً الولايات المتحدة، وذلك على غرار الرئيس السوري حافظ الأسد الذي أوحى للأميركيين باستعداده لتوقيع السلام مع إسرائيل من أجل أن يحصل على مكاسب سياسية وفي طليعتِها غَضّ النظر عن دوره الإقليمي في لبنان وإمساكه بجزء من الورقة الفلسطينية، ولكن عندما وصَلت الأمور إلى مرحلة الحَسم واتّخاذ القرار وانحسار الخيارات أطاحَ بالمفاوضات وكلّ المسار السِلمي من خلال إصرارِه على موطئ قدَم في بحيرة طبريا.

وعدمُ توقيع الأسد الأب مرَدُّه إلى أربعة أسباب أساسية: خشيته على مستقبل نظامِه الذي انتزَع شرعيته من خلال المزايدة على الأكثرية السنّية برفضِ توقيع السلام مع تل أبيب، لأنّ أيّ خطوةٍ من هذا النوع تمنَح الشارع السنّي مبرّراً لاستهدافه. والسبب الثاني مرَدُّه إلى أنّ السلام يُفقِده دورَه الإقليمي ويُلزمه العودة إلى داخل حدوده، فيما دورُه الإقليمي يشكّل جزءاً لا يتجَزّأ من حماية نظامِه.

والسبب الثالث يتّصل بتحالفِه مع إيران وحاجة الأخيرة إلى دور إقليمي عبر البوّابة السورية ربطاً مع بيروت وجنوب لبنان بواسطة «حزب الله»، وبالتالي، أيّ سلام بين دمشق وتل أبيب يَقطع الطريق على طهران ويُنهي ورقة الحزب. والسَبب الرابع عائدٌ لاعتبارات مبدئية وعقائدية.

وما ينطبق على الأسد الأب ينسحب على خامنئي لجهة الاعتبارات المبدئية والدور، فالنظام الإيراني يستطيع أن يفاوض ويناور من أجل كسبِ الوقت وفكّ القيود الدولية عن اقتصاده، ولكنّه لا يستطيع أن يوقّع، لأنّ علّة وجوده قائمة على العَداء للغرب، فضلاً عن أنّ المعبر لدوره هو استمرار النزاع لا الذهاب نحو السلام.

وإذا كانت اعتباراته المبدئية تمنعه من الذهاب إلى اتفاق كامل ومتكامل مع الغرب يؤدّي إلى تغيير وجه إيران وهويتِها، فإنّ الدور الإقليمي لن يكون، كما يفترض البعض، توزيعاً لموازين القوى على طريقة توزيع النفوذ مع سايكس-بيكو، بل سيكون استمرارا للنزاع حتى إشعار آخر، وفي حال اتّجهَت الأمور نحو ترسيم من هذا النوع فلن يكونَ في المدى المنظور، حيث لا شيء متوقّع في العقد المقبل، وما هو متوقّع استمرار المواجهات واحتدامها.

ومِن هنا، كلّ المواعيد التي تحدّد في آذار وحزيران، وقبلهما في أيلول، لن تغيّرَ شيئاً في المشهد العام في لبنان والمنطقة، بل بعض الدوَل العربية تستعدّ لإنشاء قوّةٍ عربية مشترَكة، وإذا كانت الأسباب الموجِبة لإنشاء هذه القوّة اليوم مواجهة «داعش»، فإنّ الهدفَ المستقبلي سيكون مواجهة النفوذ والتمدّد الإيرانيين.

فلا مؤشّرات إلى وجود حلول في الأفق. وإذا كان ملفّ الصراع العربي-الإسرائيلي قد طبَع، على مستوى الشرق الأوسط، القرن السابق، فإنّ ملفّ الصراع الإيراني-العربي والسنّي-الشيعي سيطبَع القرنَ الحالي، حيث إنّ التسويات الثابتة والنهائية والراسخة مستبعَدة، وذلك لمصلحة الحروب الساخنة والباردة والتسويات المؤقّتة على الطريقة العشائرية لا الدولتية، تماماً كما هو الوضع في لبنان.

وعليه، يُفترَض أن يستند أيّ توجُّه سياسي في لبنان إلى تشخيصٍ دقيق للصراع القائم في المنطقة، وإنْ كان صراعاً مفتوحاً، فهذا شيء، وإنْ كان محدوداً زمنياً، فهذا شيءٌ آخر مختلف تماماً، فيما الغرَق في اليوميات السياسية، من دونِ خطّة ومشروع، يتحوّل إلى مقتلٍ للشعوب، خصوصاً الأقلّيات منها.